معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

أهل المقاومة في ليلة القصير
19/05/2023

أهل المقاومة في ليلة القصير

ليلى عماشا

ذاكرة أيار حافلة، وفي ليلة التاسع عشر منه ينسكب منها عشق عنوانه "القصير" على كلّ أهل المقاومة، فتراهم يحيون الليلة بكلّ ما فيهم من عاطفة كربلائية، يجالسون الشهداء في ليلة انطلاقهم ناحية العروج، ويغرقون في وجوههم وهي تتجه إلى الجنّة تحت ظلال السيوف. ليلة القصير، ليلة تحاكي وتستحضر كلّ ثقافتنا، تكثّفها، تنشرها، ترفعها أمام كلّ العالم: ها نحن وهذا بذلنا، وفي مثله فليتنافس المتنافسون.

هو إحياء بكلّ ما للكلمة من معنى. عشر سنوات فقط تفصلنا عن أصواتهم في تلك الليلة، ورائحة عزمهم الحيدري لم تزل كرائحة كربلاء، تشقّ الزمان برمشة عين، وتحل نورًا في القلوب.

ولعلّ المشاهد التي بُثّت في المرة الأولى في وثائقي "أسرار التحرير الثاني" حول معركة القصير وليلة انطلاقتها كانت سند هذا الإحياء، وكأنّها دعاء افتتاح ليلة الحرب العظيمة: بها بدأ كلّ أهل العشق استحضار مشاهد الحبّ في القصير، وفيها غرقوا حدّ الدّمع حبًّا وعزًّا.

صور كثيرة غمرت منصات التواصل، وبرغم قلّة ما يمكن للصورة احتواؤه من مكوّنات ثقافة الحياة الأرقى التي تكرّست كلّ عناصرها في تلك المعركة، إلّا أنّه يستطيع أن يعبّر عن مكنونات عالية جدًا في روح المقاومة وأهلها. على سبيل المثال: صورة مدخل القصير، حيث تقف إشارة زرقاء مكتوب عليها اسم المدينة، وكلّ ما حولها يحكي المعركة، كانت كفيلة باصطحاب القلوب إلى بوابة الحرب، وتتركها هناك، تبحث في كلّ تفصيل عن عطر عبور شهيد، فتذرف كلّ دمعها ماء في التراب عسى ينبت وردًا يشير إلى مواضع خطواتهم قبل الاقتحام وقبل الالتحام وقبل الارتقاء.

ثمّ تتواصل صور المجاهدين المتحلّقين حول الدعاء الأخير، وصوت القادة الميدانيين وهم يتلون آخر التوجيهات المخضّبة بالحب: "انتبهوا وين عم تدعسوا.. انتبهوا من التفخيخ"، فيما تنطلق قوّة المشاة ناحية القصير. في مشاهد القصف التمهيديّ لا يستوقفك نوع السلاح وقوّته، بقدر ما يُخطف قلبك ناحية العزم الظاهر في كلّ لمحات الشهداء. في القصير كان منهم الشهداء، ومنهم من عاد ينتظر.

من فجر التاسع عشر من أيار وحتى الرابع من حزيران ٢٠١٣، تواصلت معركة السيطرة على مدينة القصير وتحريرها من أوغاد الأرض المجتمعين المتحصنين فيها ومنها يهدّدون بيوتنا وأعراضنا ويتجهزون لذبحنا وسبي نسائنا وقتل كلّ حرّ فينا، فكانت المعركة مصداق "هيهات منّا الذلّة" وبداية سقوط الحلم التكفيري، النسخة المحدّثة من الحلم الأميركي في بلادنا.

وعي الناس لطبيعة هذه المعركة ومسارها كان سلاحًا يسند المقاومين عند الثغور، دعوات الأمّهات كلّهن، من كان لها في الميدان أسد يقاتل ومن كانت ترى في كلّ البواسل هناك ابنًا لها، كانت زخّات من رصاص تصبّ الهزيمة في صدور العدى، وكان الإرهابيون يتساقطون بذهول، فالمعركة التي لم يحسبوا أنّ أحدا سيجرؤ على إشعالها معهم في الطبيعة الجغرافية الحصينة للمدينة التي حوّلوها وكرًا لإرهابهم، بدأت وتواصلت وحُسمت على يد رجال الله، وتحوّلت إلى محطة تاريخية غيّرت مسار الحرب كلّها ودحضت خططهم الواهمة، كما استقرت في القلوب ذاكرة عشق يحيي فيها أهل المقاومة كلّ مشاعر العزّة.

القصير

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل