نقاط على الحروف
العقوبات الاميركية على شخصيات وطنية سورية: محاولة تحسين شروط الهزيمة
مي حسون
أصبح من المؤكد أن المناخ الجديد في العلاقات الدولية والإقليمية المستجدة، سيساهم في حلحلة الملفّات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط التي شتت الوطن العربي في المرحلة الزمنية السابقة، كإنهاء الحرب في اليمن، واستعادة عافية سورية وعودتها إلى ممارسة دورها الطبيعي في الواقع الإقليمي والدولي، ودورها المركزي في معالجة الأزمات في المحيط العربي.
أما المشهد الأهم مؤخراً على صعيد الساحة العربية فهو انكسار الحصار الأميركي الغربي على سورية، والذي تجسد ميدانياً بالدعم الرسمي من قبل العديد من الدول الأجنبية، والدعم الرسمي العربي والشعبي، في الوقوف بعد كارثة الزلزال مع سورية في محنتها، وهذا ما أضعف مشروعية عقوبات قانون قيصر، وأعاد بلورة قدرة سورية، داخلياً، حيث تجلَّى ذلك بوضوح من خلال التكافل والتضامن بين كافة أطياف المجتمع السوري، وبروز شخصيات وطنية، تمرست في سنوات الحرب الإرهابية على الصمود والمواجهة، سارعت منذ اللحظات الأولى للكارثة، إلى لملمة جراح أهلهم السوريين، ومواجهة التداعيات الإنسانية والمادية على الصعيد الوطني السوري وفي مناطق الزلازل.
في خضم هذه الأحداث المتسارعة يبرز إلى الواجهة واقع أميركي جديد في منطقة الشرق الأوسط، يتميز بسقوط الأحادية الأميركية، في فرض الأزمات والحلول المبرمجة على دول المنطقة. ومما لا شك فيه أن المواجهة المركزية للإدارة الأميركية، في سورية هو الأساس في ميزان الخيارات الإستراتيجية الأميركية، من حيث القوة أو الوهن.
وما تصريح وزارة الخارجية الأمريكية الأخير حول رفض إدارتها تطبيع العلاقات مع سورية، ودعوة الحكومات الصديقة أيضاً إلى رفض هذا التطبيع، إلا محاولة أمريكية جديدة للضغط على بعض الحكومات العربية بغرض منعها من الانخراط في أجواء الانفراج في العلاقات العربية ــ العربية، والعربية ــ الإسلامية التي ساهمت واشنطن وتل أبيب وبعض النخب الحاكمة في البلدان العربية والإسلامية في تغذية أجواء الانقسام والفتنة على مستوى الأمّة والإقليم.
هذه التصريحات وما تحمله من تدخّل سافر في قرارات دول مستقلة، تفضح طبيعة العقل الأميركي. حيث ترى في هذا الصدد مصادر مطّلعة على أحوال الإقليم، أن إيعاز أميركا لبعض الحكومات العربية بعدم "التطبيع" مع سورية، وهي مكون طبيعي وأصيل في الجسم العربي والإسلامي، تتناقض مع منهجية العلاقات الدولية السليمة خارج أطر العنجهية الاميركية، حيث تضغط هي نفسها على تلك الحكومات من أجل التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، وهو كيان غاصب وهجين وغريب عن المنطقة والإقليم، ورأت تلك المصادر في ذلك استمرار واشنطن ودول الغرب، بالكيل بمكيالين وازدواجية المعايير.
على ضوء المعطيات الآنفة، والتي تؤكد تخبُّط إدارة جو بايدن الديمقراطية، فإننا نعتقد بأن إستراتيجية السياسة الأميركية الحالية في سورية قائمة على ركيزتين اثنتين، أو ملفين اثنين، تهدف من خلالهما إلى تحسين ظروف هزيمتها في سورية:
١- ملف النازحين السوريين، والذي أصبح واضحاً استخدام الأمم المتحدة كأداة من أدوات القرار الأميركي، باستغلال معاناة النازحين، والدول التي تأويهم، كورقة تفاوض أميركية للضغط على سورية.
٢- الملف الثاني هو ملف فرض العقوبات الاقتصادية والمالية، ليس على سورية الدولة فقط، إنما على شخصيات سورية تتعاطى الشأن العام.
هنا، لا بد من تبيان الحقائق الآتية في هذا الملف بالتحديد:
أ ـــ الملفت في خضم ما ذكرنا سابقاً هو توقيت إصدار هذه العقوبات بحق شخصيات سورية، كان لها دور فعال في دعم صمود أهل سورية، أثناء الحرب الإرهابية التي كانت مدارة فعلاً من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
إن تكرار فرض العقوبات على هذه الشخصيات التي تمثل شريحة كبيرة من الشعب السوري الذي رفض الاستسلام، وواجه بالوقوف إلى جانب شعبه ومساعدة أهله ودعمهم المستمر في السنوات العجاف، سنوات الحرب الإرهابية الكونية على سورية، وخاصة بعد كارثة الزلزال، فضحت مسرحية تعليق العقوبات لمدة ١٨٠ يوم بحيث لا تشمل الأشخاص.
إن الغرض من هذه العقوبات هو تنفيذ الأجندات الأميركية، ضد مصالح الشعوب. وهي بحق، تعتبر الأكثر حقداً في تاريخ القرارات الدولية، و تبرهن على نية واشنطن الخبيثة بعدم مساعدة الشعب السوري والتمييز بين ضحية وأخرى في هذه الكارثة، وعلى أن قرارها بتعليق العقوبات ناجم عن شعورها بالخجل من الرأي العام العالمي.
ب ـــ إن الخبث الأميركي المكشوف في فرض العقوبات، يبرز بوضوح من خلال زج أسماء هذه الشخصيات السورية الوطنية ضمن ملف العقوبات الخاصة بتجارة المخدرات، وذلك بغرض تشويه سمعة هؤلاء في المعركة الإعلامية الدائرة حاليًّا، وبغرض ممارسة الإرهاب الفكري في حقهم، مع الإشارة إلى أن سجل الأميركيين ووكالة استخباراتهم الشهيرة الـ CIA يثبت أنها كانت السباقة والمبدعة، عبر تاريخها في تمويل عملياتها الإجرامية، لمواجهة المد الشيوعي كما يدعون في العالم، حيث استخدموا أموال كارتيلات المخدرات في أميركا الجنوبية وأشهرهم كارتيل المخدرات الكولومبي.
كل هذه المؤشرات في ما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه سورية، من خلال القرارات بفرض العقوبات على شخصيات وطنية سورية، والتصريحات للناطقين باسم البنتاغون والخارجية والبيت الأبيض، يؤكد أن أميركا في وضع إستراتيجي حرج في منطقة الشرق الأوسط، وخوفها الأكبر، أن تبدأ الانهيارات المتتالية مثل أحجار الدومينو، وبسرعة مفاجئة للأدوات العسكرية والسياسية التي تديرها مباشرة في المنطقة، وتفقد بالتالي مقومات الهيمنة على المنطقة الأكثر ديناميكية وإستراتيجية في العالم.
وأولى بوادر هذه الحيثية الأميركية المستجدة، بدأت بإضعاف البيترودولار. وقد بدت أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية جليةً، من خلال الموقف السعودي المنفتح على الشرق، والقرار الملفت لدول النفط العربي بخفض الإنتاج. وقد كان آخر استحقاق مهم في هذا الاتجاه هو اللقاء الإيراني ــ السعودي الذي حصل برعاية صينية، والهدف منه تنظيم موضوع الطاقة والنفط وبالأخص التسعير والعملات المحلية، ويعتبر ذلك كابوساً للأميركي، فكانت ردة الفعل السريعة والمتسرعة بمحاولات كبح جماح العودة العربية الرسمية إلى دمشق والاستمرار بفرض العقوبات الاقتصادية كسلاح في المنطقة العربية.
في المحصلة، إن فرض عقوبات على شخصيات وطنية سورية، بذرائع لا تستند إلى أي مرتكز قانوني دولي وشرعي، يؤكد قيمة صمود الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي السوري، بقيادته وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد والشعب السوري، وطاقاته الإنسانية المبدعة في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية في حربها الإرهابية على الجمهورية العربية السورية، وما تفعله الإدارة الأميركية من فرض عقوبات تصب في خانة تحسين ظروف هزيمتها في سورية، وبالتالي في المنطقة ككل.
وحتى الآن، من خلال مجريات الواقع وليس الإعلام الموجه أميركياً، فإن العقوبات المفروضة تضر بمصالح الشعب السوري ككل وليس بالأفراد، وكلما زاد إصرار الأميركيين على استخدامها كسلاح للهيمنة الأحادية، كلما ضعف تأثيرها وتلاشت تداعياتها، وأصبح مردودها الفعلي معكوساً، ويشكل ضرراً على الولايات المتحدة الأميركية.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024