نقاط على الحروف
طهران: المدينة المحاصرة التي لا تنام...
رنا الساحلي
كل شيئ مختلف في زيارتك إلى ايران، تلك التوقعات والصور الغزيرة التي تشبه حصار بيروت عام ١٩٨٢ او ربما اكثر. تلك المشاهد التي اختزنتها العقول بسبب الكم الضخم من الأخبار التي نسمعها في كثير من الاعلام الغربي والعربي. يطيح بها كل ما لم نكن نتوقعه.
ما ان تطأ قدماك ارض مطار الامام الخميني تدرك ان شيئاً مريباً بدأ يتسلل الى حدقة العين، تنظيم رهيب يضج بالحداثة والقدرات الهائلة، مساحات تجعلك تخطو وكأن أفق العالم بدأ ينفتح أمامك لتستكشف اكثر هذه الدولة المحاصرة.
طرقات معبدة واسعة تجعل خطك المستقيم يسير بسلاسة غير معتادة في طرقات بلادنا المتحضرة، يدور في ذهن رفاق الدرب آلاف الأسئلة فيما عيوننا تتنقل بذهول بين النظافة والتنظيم والعمارات التي تشبه كل شيئ مختلف من طرازات فرنسية وبريطانية ومسحة من فسيفساء الحضارة الايرانية.
نصل إلى الفندق ببهوه الفسيح وثرياته الكبيرة، يعج بمئات الزوار الأجانب لتظن انك في مهرجان عالمي للفنون بوسط عاصمة أوروبية.. ملامح مختلفة اذربيجانية، ألمانية، صينية، باكستانية، سويسرية، تركية.. كلها كانت هناك، وحدها الابتسامة توحد الشعوب، تدرك من خلال تلك الوجوه ان ايران بخير وليست كما يسوّق لها كسجن غوانتانامو.
ذاك الخوف والتردد الذي صاحب أصدقائي في السفر بدأ يتبخر فالكثير من الجنسيات الاوروبية والأسيوية موجود لذا باختصار "لا داعي للهلع".
من شرفة الغرفة في الطابق الرابع عشر تشعر كأنك كدت تلامس السحاب.. ها هي طهران بين يديك تشعر بقدرة الدولة واحترامها لشعبها كل شيئ أمامك يتلألأ... انوار الطاقة الكهربائية في كل مكان فيما تلمح من بعيد أضواء السيارات تمتد كشريان لتدرك ان الحياة تسير بسلاسة وجمال على تلك الأرض.
إنها الساعة الثامنة صباحاً، نسمع هدير أصوات وكأنها جيش ينتظر البدء بمعركة جديدة، في الفندق مؤتمر مخصص للنساء من كل دول العالم... تلك الوجوه تراها تحمل المفاجأت عن المرأة في إيران وقوتها وقدراتها الفكرية والفنية والسياسية وحتى الرياضية.. تتمنى ان تصل إلى ذاك اليوم حيث للمراة حصص كبيرة وحقوق كثيرة ورأى متبع.
هي المرأة الحاضرة في كل مكان سواء بحجابها الكامل او ذاك الذي يسابق الموضة فتتطاير مقدمة شعرها بالخصائل الملونة وتلك يتدلى الشعر على كتفيها مع جدائل ذهبية فيما تعتمر قبعة صوفية.
ذاك التنوع ينهي تلك المؤامرات التي تدّعي أن الحريات مقموعة ممنوعة.
خرجنا لنستطلع الشارع اكثر.. فنجده يفيض حرارة رغم برودة الطقس وبينما كان رفيق دربنا الإيراني "جواد" المولع بلبنان واللغة العربية يشرح لنا عن الطرقات واسمائها والاماكن التي نمر فيها إذ يصرخ زميلنا "جمال": "احتجاجات احتجاجات ها هم يسحلون الفتيات في جامعة طهران، ها هم يحرقون كل شيئ"، ننظر إلى الناحية التي أشار إليها... لا شيئ سوى الهدوء وفتيات يقهقهن في احاديث جانبية وقربهم شباب ملابسهم تظهر نمط حياة مختلف... الهدوء سيد المكان يبتسم "جواد" لهذا الموقف فكان جوابه اسرع من عجلات تلك السيارة التي تخترق الزحام... نعم حصل احتجاجات وصلت إلى (اغتشاشات) ما معنى تلك الكلمة؟؟! أجاب بسرعة البرق اي "أعمال شغب" فيما سلطت القنوات المعادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية كل غضبها واشاعاتها على ايران لتقوم الأيادي السوداء بمد يدها لتحيك اشراكاً وافخاخاً سوداء قاتمة محاولة ضرب السلم الاهلي ولزيادة حصار يشبه وجوههم القاحلة.
كل شيئ يشبه الدولة القادرة القائدة والملهمة لشعبها... محال تجارية صناعية استهلاكية... كل شيئ منظم حتى الأسواق تشبه روادها. إلى مول طهران ... مول هائل بحجمه وقدرة استيعابه لكثير من المحال والمجالات المختلفة. هنا شارع باريس إضاءة ليلية تشبه طرقات فرنسا بسحرها الاخاذ فيما الطريق المضلع يشعرك انك تسلك دروب الشانزليزيه.
مسار اخد يأخذك إلى مكتبة خشبية كبيرة وكأنك في فم التنين الاسطوري، تقسيم ديوي المكتبي تراه امام عينيك فهنا تاريخ ايران وهنالك الفنون المختلفة، وتلك مجموعة كبيرة من العلوم السياسية والدينية، ووسط تلك الباحة الكبيرة تستنشق عطراً يأتيك من شعر عمر الخيام وحافظ الشيرازي... كما قال "يا وردة اما أجاز لك غرور جمالك... ان تسألي هذا العندليب الغارق في حبك".
في ذاك المول وعلى قمته يستريح مطعم يقدم النرجيلة المحببة إلى الفريق اللبناني... يجلسون براحة تامة. فيما رؤوس النرجيلة تشتعل في مهب رياح طهرانية باردة تشل أطراف اصابعنا لكن حماسة الليلة لم تنته... مع ليالي طهران الساحرة فيما موسيقى الغيتار الكهربائي تسترق النظر نحو اصابعنا التي تحمست مع كل نوتة ونغمة ليبدأ العازف نغماً عربياً ترحيباً بالوجوه العربية التي تتقد حرارة ولهفة عما تراه العين والروح قبل القلب.
غزارة في المعلومات والمعطيات ومشاهد حقيقية نراها بأم أعيننا. لا خلف مشاهدات تلفزيونية او قناة تدّعي العربية والعروبة او حتى ايرانية تمولها تنظيمات لا تشبه الحرية بشيئ سوى ادعاءات ممزوجة بكراهية تنم عن قصر نظر او غيرة حقودة... من الليلة الأولى اختلف كل شيئ عندنا وأمامنا بلد قوي عظيم يخترق القدرات ويؤمن بشعبه في كافة المجالات... بلد يحترم الانسانية ويقدر المواهب ويعطي من قلبه ما كان للشعب وللشعب ان يكون... هي طهران المدينة التي لا تنام... عند كل مفترق تراها توقظ العقول والقلوب والارواح... عند كل مفترق تراها تشعل ثورة ووميض امل في شعوب منطقتنا إذ أنه رغم الحصار استطاعت ان تخرج من فوهة البركان وتقول ان لله رجال إذا أرادوا أراد... رغم الحصار اكدت ايران انها الثورة المتقدمة في وجه الظلم... وأنها عصية على المؤامرات
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024