نقاط على الحروف
حتى لا يضلّ التاريخ (2): الطريق إلى عملية سوق ماهان يهودا الاستشهادية
يوسف الشيخ
يوم الاثنين 30-10-2000 مساءً وبعد حضورهما احتفال عيد تأسيس حرس الثورة الاسلامية الذي نظم في إحدى القاعات الكبرى في الضاحية الجنوبية لاحظ من يعرفهما أن كلامًا طويلًا دار بين الحاج عماد وأمين عام حركة الجهاد الاسلامي الراحل الأخ رمضان عبد الله شلح (رض) كانت تتخلله الابتسامات والضحكات الآسرة لكليهما. وفور انتهاء الجلسة أمسك كل من الحاج عماد والأخ رمضان يد الآخر وخرجا سويًا.
كانت تلك الجلسة إحدى الجلسات التي خططت لأداء الاعلام اللبناني المقاوم تجاه انتفاضة الأقصى عام 2000.
في اليوم التالي الثلاثاء 31-10-2000 وقبيل الساعة التاسعة صباحًا استدعي على عجل عدد من العاملين في مطبخ الاعلام المقاوم ومنهم مخططون وصناع محتوى وصحفيون أساسيون في وسائل اعلام المقاومة إلى أحد المراكز وطلب منهم أخذ جميع الاحتياطات السرية المعهودة للانتقال للمكان.
فور دخولهم وجدوا قاعة معدّة ومرتبة جرى توزيع الأقلام ودفاتر الملاحظات على طاولاتها بشكل منظم ووجدوا في صدر القاعة خارطة ضخمة لفلسطين مقسمة حسب التوزع البشري الفلسطيني والصهيوني. لحظات ودخل الدكتور رمضان ودخل معه الحاج عماد ليتخذ من أحد الكراسي مكانًا للجلوس فيما اتجه الدكتور رمضان إلى صدر القاعة التي كانت مجهزة أيضًا بسلايدر فضلًا عن مايكروفون صغير والخريطة الكبيرة لفلسطين.
سحب الدكتور رمضان من جيبه دفتر ملاحظات صغيرا ولخص ما سيقدمه في الورشة التدريبية اليوم بعناوين:
1- الانتشار الفلسطيني في الداخل المحتل.
2- المناطق التي اشتعلت فيها الانتفاضة بما فيها المدن المحتلة عام 1948.
3- طبيعة التركيبة الاجتماعية والنفسية للشعب الفلسطيني (الضفة ومدنها وقراها – غزة – اراضي 1948).
4- كيفية توجيه الرسالة للشعب الفلسطيني والرموز والعناصر التي يتفاعل معها الفلسطيني أو يكرهها.
5- نقاط ضعف العدو ونقاط القوة الفلسطينية.
6- الفرق في لغة الخطاب والتلقي بين البيئة اللبنانية والبيئة الفلسطينية.
بدأ الدكتور رمضان بسلسلة محاضرات أشبعت في نهايتها أسئلة وردودا واستمرت حتى الساعة الخامسة بعد الظهر، تخللتها وقفة للصلاة والغذاء لم تتعد الـ 45 دقيقة. استفاض الدكتور رمضان (رض) بشرح تفاصيل التفاصيل التي فاجأت قسمًا لا بأس به من الحاضرين الذين كانوا يظنون أنهم كانوا يمتلكون تفاصيل وافية عن الأوضاع في فلسطين المحتلة. إلا أن الدكتور رمضان الملم بمعشوقته فلسطين بدءًا من كيفية تفكير المرأة الفلسطينية بالمخيم أو بالمدينة إلى أعداد الاستشهاديين الجاهزين في أي لحظة لتحويل نعيم الصهاينة المصطنع إلى جحيم، تحدث عن الحكايا الشعبية المؤثرة في الجمهور الفلسطيني وعن الشخصيات التاريخية منذ العام 1919، كما تحدث عن الأهزوجات والأناشيد الشعبية والحماسية، كل ذلك والحاج عماد يدون في دفتر ملاحظاته وهو الذي جلس في حضرة صديقه الدكتور رمضان كتلميذ يتعرف على فلسطين مضافة إلى ما كان يعرفه عنها بالتفصيل.
تبين لاحقاً أن الفكرة كانت فكرة الحاج عماد الذي اختبر بحنكته وعقله الفذ بعض من كانوا قد أبدعوا في العمليات النفسية إبان الاحتلال الصهيوني للبنان ووجد أن معظم من اختبرهم متأثرون بالخصوصية اللبنانية للحرب النفسية على العدو أي أن البيئة اللبنانية كانت طاغية على تفكيرهم وهو ما ظهر في الايام الأولى لانتفاضة العام 2000. فصمم على تغيير هذه الخبرة اللبنانية الى خبرة فلسطينية صرفة وممتازة حيث بات على الاعلامي اللبناني المقاوم أن يلم بتفاصيل التفاصيل الفلسطينية من الاهزوجة إلى لغة التحريض والخطاب إلى التغطية الخبرية.
فكانت تلك الورشات التي صمم محتواها الدكتور رمضان والحاج عماد بالتفصيل واعتُمد أسلوب الاختصار المكثف لسرعة الافادة العملية منها وهي التي نقلت خلال 8 ساعات وربع من المعرفة الاعلام اللبناني المقاوم إلى شريك في الحدث الفلسطيني.
بعد يومين في 2-11-2000 نفذ أحد استشهاديي سرايا القدس عملية استشهادية بسيارة محملة بكمية وافية من المتفجرات في سوق ماهان يهودا في القدس المحتلة وأبدع الاعلام المقاوم اللبناني بتغطية العملية مؤكدًا صوابية نظر مبدعه الفذ الحاج عماد مغنية.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024