نقاط على الحروف
سوريا.. لا يغيث الشريف إلّا الشريف!
ليلى عماشا
حرّك الزلزال صفائح العدوان العالمي على سوريا المسمّى بقانون قيصر. وضع العالم كلّه في امتحان الإنسانية والنخوة والرجولة، سقط الساقطون أصلًا، ولم يبادر إلى تحدي العقوبات وإرسال المساعدات إلى سوريا المنكوبة بالزلزال وقيصر إلّا "الزلم"!
هزّ الزلزال الأرض، وما اهتزت ضمائر الذين اعتدوا وما زالوا على سوريا. هُرع العالم المنافق كلّه ومنه ١٣ دولة من الاتحاد الأوروبي إلى إرسال المساعدات والطواقم الإسعافية لغوث تركيا، فيما وقفت سوريا طيلة نهارها تلملم ضحاياها من تحت الأنقاض، ولم يهبّ لمساعدتها أيّ من المحاضرين بالعروبة كذبًا ومن المبشرّين بالإنسانية نفاقًا ومن الخاضعين للأمر الأميركي ذلًّا وجبنًا. حتى لبنان الرسمي، المنكوب بأزمته المعيشية، قفز بداية من فوق سوريا كي يعرض خدمات إغاثية على تركيا ثم استدرك لاحقًا. عشرون مهندسًا عسكريًا من فوج الهندسة في الجيش اللبناني وعدد من طواقم الدفاع المدني اللبناني أعلنوا توجههم إلى المناطق المنكوبة في تركيا، قبل أن يُعلن في وقت متأخر عن ارسال 15 عنصرًا من فوج الهندسة في الجيش اللبناني و20 عنصرًا من الدفاع المدني الى سوريا للمساهمة في عمليات الانقاذ.
من الجزائر، كانت أولى المبادرات الإنسانية نحو سوريا. ووصلت في الليل إلى دمشق أولى طائرات الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أقلّت أطنانًا من المساعدات والمواد الطبية الطارئة. روسيا والهند وقيل الإمارات العربية المتحدّة تجهّز لإرسال المساعدات بدورها. الوقت يمر بسرعة ومعه تنخفض إمكانية غوث الناجين، حتى الآن، العالقين تحت ركام بيوتهم!
أهل المقاومة في لبنان والحشد في العراق لم ينتظروا قرارت "رسمية" تراعي خاطر الأميركي أو تنتظر إذنًا من سفارتي أميركا في بيروت وبغداد. أهل الشرف لا يتأخرون عن أداء الواجب ثانية واحدة، فكانت طواقم الإسعاف المحمّلة باللهفة المقاوِمة تزحف نحو سوريا حُبًّا وتقدّم ما تيسّر من إمكانيات للمساعدة. أنصار الله من اليمن المحاصر والمعتدى عليه، من قلب حصارهم أبدوا عزمهم واستعدادهم لتقديم أي مساعدة ممكنة للشعب العربي السوريّ الشقيق، وأهل اليمن أدرى الناس بالأخوّة وبالعروبة وبالحصار وبالألم.
طقس عاصف صعّب مهمّات الإغاثة في سوريا بغياب المعدّات الحديثة التي تسهّل الوصول إلى العالقين تحت الأنقاض. تناقل الناس مشاهد الدمار والڤيديوهات التي تظهر انتشال الضحايا والناجين، كذلك تداعى العديد من الناشطين إلى تكثيف حملات تطوعية لتقديم مساعدات عينية إلى الذين هجّرهم الزلزال من منازلهم التي تضرّرت أو دمّرت بالكامل. كان المشهد اللبناني كما دائمًا، أشرف الناس يحشدون كلّ ما أمكنهم لغوث المنكوبين في سوريا الحبيبة، أما الآخرون فمنقسمون بين متجاهل للمصيبة أو شامت بمن أصيبوا بها على الجانب السوري، وبين من يستميت في عرض تعاطفه مع الضحايا والناجين في الجانب التركي، وبين متذرّع باحترام القوانين الدولية في تبرير سقوطه الأخلاقي والإنساني!
في سوريا اليوم، ركام خلّفه الزلزال وعائلات منكوبة وجرح غائر خلّفه ظلم "ذوي القربى" المتزايد حقارة، وفيها، كما دائمًا، امتحان لا يسقط فيه إلّا منافقو الإنسانية ومدّعو الأخلاق. في سوريا الآن، كما دائمًا، تنام الدمعة أبيّة حرّة، لا ترتجي غوثًا ممّن قبل الزلزال أرسلوا إليها وحوش الأرض، لكّنها تمتلك من الشرف العزيز ومن الحب ما يكفي ليجعلها أول المبادرين إلى الغوث فيما لو كان الزلزال أصاب بلدًا "شقيقًا" وأول المتجاوزين عن الجرح فيما لو حلّت النكبة على أرض عربية. وفي سوريا، اليوم وفي كلّ زمان أجمل مشاهد الحقيقة التي تقول أن الطيور على أشكالها "تحنّ"، فلا عجب أن يكون الشرفاء في كلّ البلاد حنّوا على أرض الشرف، الشام!
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024