نقاط على الحروف
عن ليلة فلسطينية حلوة كعلقم!
ليلى عماشا
لم تنم بالأمس عيون الفلسطينيين، وتُقاس فلسطينية المرء بارتباط قلبه بالطلقات التي يسدّدها فدائي، بالعزّة التي يشعر بها حين يرى كيف تتحطّم صورة الأمان الصهيوني على أرضنا.. لم ننم. أحيينا الليلة شاخصين نحو القدس، والقلب تجوّل حتى الصباح في أزقّة جِنين.
على وقع الغصّات المسيّلة دمعًا وحياء ونحن من البعيد نرفع على أكفّ القلوب جثامين أقمار جنين، جاءتنا من القدس بشارة على صهوة مسدّس بيدِ حرّ ابن حرّ.. صوّب وأطلق على صدر العِدا كلّ طلقاته، فأردى الأمن الصهيوني قتيلًا!
استحال اللّيل ميدان ابتهاج يرفع عن الكتف الهموم المتزايدة، ويضيء ناحية فلسطين، نجمة البوصلة ليدلّ من تاهوا على العدوّ الأوحد وعلى "أصل البلا" في بلادنا. وسرنا ناحية الضوء تملؤنا الحماسة.. رسم المشهد في أعيننا رحلتنا نحو فلسطين في يوم التحرير العظيم.. قال بملء صوته أنّ اليوم يقترب وإنّا إليها ذاهبون.
تخبّط الإعلام الصهيوني في نقل وتغطية الحدث زادنا فرحًا، وصور الرعب على الوجوه الغاصبة للأرض أثلجت الصدور وكفكفت دمع القلوب العزيزة. نعم، تفاعلنا مع الحدث بكامل حضورنا فيه، بكلّ عتادنا من الحب ومن اليقين بالتحرير. انتقلنا ولسنا ندري كيف إلى نابلس نحتفي بالحبّ الفدائي المعظّم، ومررنا في غزّة نوزّع مع أهلها "حلوان" العملية.. رأينا وجوهنا ووجوه أحبتنا في الخليل تواصل عدّ قتلى الصهاينة وتطلق ضحكات الفرح كلّنا زاد حجم خيبتهم.. وحين قيل أنّ العدد الفعلي يفوق ذاك الذي اعترف به الصهاينة وسط ارباكهم صرخنا لعمادنا أن يا أبانا إنّا نراك في القدس، وهرعنا إلى فارسها، الحاج قاسم كي ندلّل قلوبنا برؤية بسمته القمرية في هذه الليلة..
التقينا بباسل الأعرج وبأحمد نصر جرار وبنزار بنات وبعدي التميمي وبابراهيم النابلسي وبمئات الشهداء وهم يرفعون اللثام عن ضحكاتهم وعن تحياتهم للفدائي البطل.. من هو؟
هو فلسطين بكل ترابها، قمر احتشدت فيه كلّ البلاد.. هو ابن بيوتنا المولود حرًّا أبيًّا مقاتلًا منتصرًا.. هو القدس وهو جنين وغزّة والضفّة، وهو رائحة يافا ونسيم عكا وذاكرة حيفا وعزّة الجليل.. هو الشهداء كلّهم وهو الوريد الذي يجري فيه كلّ دم الأحرار ولا تُسقى بغيره تربة الحريّة.
وهو العلقم الذي لقّن بالرصاص المرارة جرعة مكثفة في حلق بني صهيون في كلّ أرض، وهو الخير الذي به اليقين كلّه.
بعد العملية، غصّت منصّات التواصل بالصور الناقلة للحدث، بكلمات التبريك والتعابير عن البهجة، إلّا أن صورة تجمع أمّهات أقمار جنين وهنّ يرفعن شارة العزّة ضاحكات مستبشرات كانت كفيلة بأن يفهم العالم كلّه ما الذي يعنيه أن تكون الأمومة فلسطينية، وأن يدرك جميع الحالمين بسلام مع الصهاينة أو بأمن اسرائيلي أن أحلامهم ترديها طلقة فدائي، وأرحام تلد شهيدًا تلو شهيد تلو شهيد!
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024