نقاط على الحروف
تغيير هوية فلسطين ومقدساتها.. أي ثمن سيدفعه الاحتلال؟
زهراء جوني
سأل الشاعر محمود درويش أباه يوماً: "ما اللاجئ يا أبي؟
فأجابه: لا شيء، لا شيء، لن تفهم.
سأل جده: ما اللاجئ يا جدي؟ أريد أن أفهم.
فأجابه: ألا تكون طفلًا منذ الآن".
على مدار أكثر من سبعين عاماً شكلت كلمة "لاجئ" بالنسبة للشعب الفلسطيني محلّ خوف وقلق من المستقبل، ثم صار الطفل الفلسطيني حين يولد على أي أرض في هذا العالم يردد داخله كلمة الأرض والوطن، ويبحث حوله عن أي طريقة لاستعادة هذه الأرض التي سلبها الاحتلال غصباً ولا يزال يحاول سرقة المزيد عبر سياسات الاستيطان والتهويد.
بشكل يومي تصل أخبار هدم منازل الفلسطينيين في أنحاء متفرقة من فلسطين المحتلة، أو سلبهم بيوتهم وطردهم منها، أو عدم السماح لهم ببناء سقف يؤويهم على أرضهم وأملاكهم. ومع عودة حكومة التطرف وسياساتها العنصرية تُستكمل اليوم مسرحية الاحتلال واغتصاب الأرض، وتخرج مجدداً القرارت المجحفة بحق الشعب الفلسطيني، ليس آخرها هدم كل مبنى فلسطيني جديد يقام في المناطق الفلسطينية المحتلة المصنفة "ج"؛ وهي المناطق التي تبلغ مساحتها أكثر من 60 في المئة من الضفة الغربية وتقع تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل وفق ما يسمى باتفاقية أوسلو. ويكفي أن نشاهد بعض مقاطع الفيديو والصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فور بدء تطبيق القرار ومباشرة العدو الإسرائيلي بهدم تلك المنازل، لنعرف فظاعة الجريمة التي يقوم بها الاحتلال، من بينها صورة لطفل فلسطيني صغير يقف على ركام منزله المهدّم وخلفه أغراضه وذكرياته وسنوات قضاها بين جدران لم يبق منها سوى الحجارة ولوحة صغيرة كتب عليها "على هذه الأرض ما يستحق الحياة". لعلّ هذه الصورة التي تشبه صوراً كثيراً رأيناها من مخلفات جرائم الاحتلال لأطفال فلسطين تعيدنا إلى جواب الجدّ لحفيده الشاعر محمود درويش بأنّ اللاجئ يعني ألاّ تكون طفلاً "منذ الآن".
أكثر من سبعين عاماً على محاولات محو الهوية وتغيير معالم الأرض الفلسطينية، واتفاقيات وقرارات يحاول الاحتلال عبرها السيطرة الكاملة على أرض فلسطين وثرواتها وبيوتها وزيتونها وملحها وكل حبة تراب فيها. حتى من خلال رجال الأعمال يسعى العدو إلى بيع ممتلكات الشعب الفلسطيني لتنتقل ملكيتها إلى اليهود بحسب ما كشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" في ملحقها الاقتصادي منذ أيام، إذ كشفت الصحيفة عن قيام رجل أعمال يهودي أميركي يدعى "غاري بورنيت" بشراء ما لا يقل عن 520 دونماً من أراضي الكنيسة البطريركية الارثوذكسية اليونانية في أحياء الطالبية و"رحافيا" في القدس المحتلة، مقابل 750 مليون شيقل كما تنقل الصحيفة. وبحسب التقرير فإنّ بورنيت متحمّس للإعلان عن صفقة كبرى في وسط إحدى أهم مدن العالم، فيما تشير الأرقام إلى أنّ الأرض المباعة تضم حوالي 1000 وحدة سكنية، موزعة بين متحف وفادق ومساحات مفتوحة إضافية وأكثر من 12 قطعة أرض مخصصة للتطوير الإنشائي.
ولا تعدّ هذه الصفقات هي الأولى من نوعها. يحترف كيان الاحتلال في صوغ وعقد الصفقات المشابهة، وتأتي عملية البيع هذه بعد أيام قليلة فقط من استيلاء العدو على أكثر من 7 دونمات محيطة في عين سلوان، ومواصلته لأعمال الحفر وخلع الأشجار المثمرة في المنطقة، إضافة إلى تجريف وبناء سلاسل حجرية في المواقع.
أما الأخطر والأكثر حساسية في مشهد الاستيطان والتهويد فهو بلا شك المسجد الأقصى الذي لا يتوقف الاحتلال عن أعمال الحفر والتنقيب فيه ما أثر على بنيانه وأساسه، وما سيؤثر بلا شك على خصوصيته وقدسيته وهويته، وهذا ما يسعى إليه الاحتلال في سياسة تغيير المعالم والهوية، فأي مصير ينتظر الاحتلال أمام العبث بأرض فلسطين ومقدساتها؟
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024