معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

الأسير ماهر يونس.. المولود الجديد
21/01/2023

الأسير ماهر يونس.. المولود الجديد

زهراء جوني

"عن عمرك فيما أفنيت، وعن شبابك فيما أبليت". كيف يمكن للأسير ماهر يونس أن يجيب عن هذا السؤال وهو في طريقه إلى الحرية معانقاً بدايات الستين من عمره؟  

لعلّ جواب والدته في أول مكالمة مع ولدها يختصر كلاماً كثيراً عن العمر الذي مضى، حين قالت "نحنُ نستقبل مولوداً جديداً". يخرج ماهر من سجون الاحتلال حاملاً معه أربعين عاماً من الأوجاع والظلمة والإجراءات التعسفية والإهمال الطبي والقرارت المجحفة وسنوات من الفقد والشوق والتعب والألم والحرمان من الحياة والعائلة والهواء النظيف وحرارة الشمس ووجه أمه.

كان ماهر في أول شبابه حين قرر مقاومة الاحتلال دون خوف أو قلق، في زمن ظنّ فيه البعض أنّ السلام المزعوم مع الاحتلال يمكن أن يكون حلاً، حتى اعتُقل عام 1983 على خلفية مقاومته للعدو وانتمائه لحركة التحرير الوطني الفلسطيني ـ فتح، ليلحق بابن عمه كريم يونس ويقضي أعواماً صعبة خلف القضبان.

لا تسير حياة الفلسطينيين بشكل عادي في صراعهم المستمر مع هذا الاحتلال. لكل أسير قصة تكاد تكون خيالية في تفاصيلها لشدّة قسوتها أو مراحل الألم فيها. فماهر مثلاً الذي اعتُقل أربعين عاماً وتعوّد نظره على الجدران المغلقة كل هذه الفترة، يخرج اليوم إلى الضوء كأنه ابن الشهرين، يحاول استعادة نظره ومعرفة الألوان وشكل الأشياء ولذة الطعام. يغمر والدته كأنه يخرج الآن من أحشائها، طفلاً لا يريد مفارقتها، يبحث فيها عن الرائحة الأولى يوم أنجبته فعلاً ووضعته ناحية قلبها. وكذلك تحاول أم ماهر أن تتعرف على ولدها من جديد رجلاً بعمر الستين عاماً، بشيبٍ يغطي هيئته، ووجه متعب من كثرة الظلام والقهر، ثم تخاطبه كأول صباح منذ ستين عاماً بينهما: "حبيبي يسعد صباحك ماهر.. يا حبيب روحي أهلاً وسهلاً، شرفت المنطقة، شرفت البلد، الكل بانتظارك حبيبي"..

ثاني أقدم الأسرى الفلسطينيين يخرج من سجون الاحتلال بعد أن كان محكوماً عليه بالإعدام، وبعد ظروف وصعوبات في المحاكمة حتى الإفراج عنه وبعد منع الاحتلال أي مراسم للاحتفال، يخرج ماهر ليروي للعالم قصة جديدة من قصص النضال والصبر والتضحية والعطاء والمقاومة لأجل هذه القضية المحقّة ولأجل بلدٍ تفوح منه رائحة الزيتون والكرامة لشباب ورجال ونساء قاوموا كلٌّ على طريقته فمنهم من استشهد ومنهم من أسر ومنهم من خرج من المعركة جريحاً، ومنهم من لا يزال يحمل البندقية ويقاوم.

لا تنفصل قضية الأسرى عن عمليات المقاومة الفردية في فلسطين المحتلة وعن انتصارات المقاومة الممتدة من قطاع غزة المحاصر إلى كل فلسطين، ولا عن مقاومة الاستيطان والتهويد ومجابهة الاحتلال على كل الجبهات. المقاومة واحدة، سواء كانت خارج القضبان أو داخلها.

الأسرى

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل