نقاط على الحروف
أخي الشهيد.. عامُ اللقاء بجهاد مغنية
زهراء جوني
يُقال إنّ ملامح الإنسان في لحظاته الصعبة لا يمكن أن تُنسى. وأنا أشهد على ذلك يا محمد.
كان نهاراً جميلاً برفقتك. يوم أحد عادي لكنه عادة ما يكون جميلاً في جمعة العائلة. أردنا أن نشرب الشاي ونتبادل أطراف الحديث، حين مررت من أمام التلفاز وقرأت خبراً لم يكن عادياً أبدا. كان الأحد الأصعب بالنسبة إليك والأكثر قساوةً ومرارةً حتى تحوّلت ملامح وجهك إلى أرض يابسة لا لون فيها ولا حياة. نظرنا إليك جميعاً، كنا نعرف أنّ من استشهد ليس عادياً، لكننا لم نكن ندري حجم العلاقة وسرها بينكما.
محمد وجهاد. كان يكفي أن ننظر في عينيك ذلك النهار لنعرف أنّك لن تتحمّل مرارة الفراق، وأنّ ما يعنيه جهاد في قلبك أكبر بكثير مما كنا نعتقد. لقد كان كتمانك شديدًا لدرجة إخفاء علاقتك بالشهيد جهاد مغنية، حتى كشفتك شهادته في لحظة واحدة، وأخرجت كل المشاعر من داخلك، ولم يعد كتمانك في هذه اللحظة ينفع. كان البكاء يروي لنا كل شيء عنكما.
محمد وجهاد. ليس غريباً أن تستشهدا في العام نفسه. حين كتب محمد لجهاد بعد شهادته عن ألم الفراق، وحسرة المغادرة باكراً في آخر لقاء لهما دون أن يودعه وينظر إليه جيداً ويحدّثه أكثر، كأنه أراد أن يقول لصديقه خذني إليك علّ الشوق يهدأ وينتهي كل هذا البكاء. ولأن الاستجابة للصديق تعبير عن الوفاء له، كان البكاء في رثاء محمد لجهاد مقدمة اللقاء الذي لم يتأخر أبداً.
حسناً، ثم من يخبرنا كيف كان اللقاء؟ لقد أراد الله لهذين القلبين أن يجتمعا معاً بقربه. أيّ كرامة هذه يا الله؟ في عامٍ واحد وفاصل بين الشهادتين لا يتجاوز أشهراً قليلة، كان محمد وجهاد في صورة واحدة يخبران العالم عن أعلى مراتب العشق والتضحية ولذّة الوصول إلى الله.
يا محمد، سنوات نرثيك فلا يمنحنا الله شرف اللقاء بك. في ذكرى جهاد، لا يمكن أن لا نتذكرك. ملامح وجهك وصمتك ولونك وحزنك وقلبك الذي اشتعل ناراً أحرقتنا حزناً على ما فقدت وفقدنا جميعاً، حتى جاءت شهادتك لتكون الشرارة الأقسى في إشعال الفقد الذي لا يمكن أن ينطفئ يوماً.
محمد وجهاد؛ أنتما طريقنا إلى الله، وسبيلنا إلى النجاة، والشفاعة الموعودة حين نحضر بكل ذنوبنا إلى الله. هنيئاً لكما هذه الصداقة وهذه الشهادة وهذا اللقاء.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024