نقاط على الحروف
ميلاد الأمين ويقين الصلاة في الأقصى
ليلى عماشا
اليوم ميلاد الأمين. يتمّ اليوم ٦٣ حبًّا، والشيبة التي تهادت على وجهه العزيز أمام أعيننا تحوي اليوم أيامنا كلّها في حماها، تحدّث عن حكايات صون أعمارنا وأعراضنا، عن زمن الانتصارات، عن سيل التضحيات، عن حبّ وفير سقى التراب فأنبت مواسم العزّة وكروم الأمان، عن دخولنا عصر الرعب الإسرائيلي، وعن ردّ كيد الإرهاب التكفيري إلى نحره. تحدّث عن بيوتنا المظلّلة بهيبة القائد المستطاب، وقرانا المسكونة بدفء أبوّة الأمين أبي الشهيد. تحدّث عن رفاق الدّرب، عن الشّوق وجمر الفقد، عن كلّ الشهداء، عن ثورة الشيخ راغب خطيبًا على منبر محاصر بالاحتلال وأعينه، عن بأس السيّد عباس على خط المواجهة ببزّة العسكر، عن "رضوان" يطارد العِدا في كلّ البلاد، عن الحاج قاسم، الصديق والرفيق والسند، عن هادي، عن ابننا هادي، روح الأمين.
حين تولّى السيد حسن قيادة المقاومة، قبل ثلاثين عامًا ونيف، رأى فيه العالم شابًا يتولّى منصبًا، ورآه أهل الحقّ قائدًا يُؤتمن، وطاقةً تحوي، ممّا تحوي، خلاصات الحكمة الثورية الممتدّة في الدّهر، المتجذرة عميقًا هناك في كربلاء، المشبعة بنور غار النبوّة الأعظم، والمرصّعة بأصفى حبّات البيت العلويّ الكريم، المصانة بالعباءة الخمينيّة القدسية والذاهبة في الحبّ إلى أقصاه، إلى ما بعد زوال "اسرائيل" من الوجود، إلى وطن "الذين استضعفوا في الأرض".
رأيناه. أنعم الله على أعمارنا بأن رأيناه يمضي بنا إلى مفترق النّصر الأوّل، إلى التحرير. يومها، كان الجنوبيون ينتظرون اللحظة التي سيهتفون فيها باسمه عاليًا فيما الاحتلال وعملاؤه يتدحرجون تحت أقدام رجال المقاومة، الرجال الذين لطالما رأيناه وهو يقبّل رؤوسهم قبل أن يمضوا إلى الميدان، ليزفّ من لم يعد منهم شهيدًا.. ومنهم هادي. هادي الذي مضى إلى الميدان عريسًا وجنديًا ومقاتلًا ولم يعد إلّا مستشهدًا، عزيزًا بلغ دمه الرتبة الأشرف، هادي الشهيد الذي أعزّنا أبوه بأن سمّاه ابننا، حياءً وإكرامًا لقلوبنا.
شهدنا معه حرب تموز، المعركة الأعنف التي انتهت بنصر ما مرّ ببال كلّ أشرار العالم إذ اجتمعوا. كانت قلوبنا تناجي ربّها على مدى ٣٣ يومًا أن خذ أعمارنا يا رب وزد في عمره، أن احجبه عن أعين الغارات الباحثة عنه في الضاحية وفي الجنوب وفي البقاع. كنا ندعو بكلّ ما أوتينا من يقين بنصره أن يا ربّ الحقّ انصرنا بنصر الله، ولا توجعنا فيه يا أحنّ الأكرمين. كنا ننتظر صوته يمرّ على جلساتنا المترقّبة كي نطمئن. وفي يوم اعتلى منبر النصر الإلهي، هوَت القلوب، كلّ القلوب الحرّة تقبّل التراب حمدًا وعزّة. لم تكن الصلة به يومًا صلة جمهور بقائد، بقدر ما هي صلة أبناء بأب، وصلة إخوة بكبيرهم، وصلة عشاق بمؤتمن، وصلة موقنين برائحة يقينهم.
مرّت السنين. الإرهاب التكفيري شقّ لشروره دربًا في الشآم. زرع في الضاحية غدره. أيقظ خلاياه النائمة في شقوق الجبال المشرفة على قرى البقاع، خزان الشهداء وأرض الكرام. أيّ ذاكرة تنسى رسالة المجاهدين هناك إلى سيّدهم وسيّدنا؟ أيّ قلب عرف لمحات من أسرار التحرير الثاني ولم يذب عشقًا بالأمين الذي ردّ عن أعراضنا وبيوتنا وأولادنا وأرزاقنا شرّ وحوش الأرض، بأغلى الأثمان: دم الغوالي الأقمار؟
رأيناه وهو ينعى من بين الشهداء بكره باسمًا، لم يمسح عن عينيه العرق كي لا تنقل الكاميرا لقطة يحسبها العدو لحظة ضعف الأب في وداع نجله. ورأيناه وهو يودّع رفيق عمره الحاج عماد، قائدًا يرفع في كفّيه قطعة من قلبه إلى السماء صابرًا معتزًّا "إلى الرّضوان يا رضوان". ورأيناه وهو يحدّث بكلمات عمّته جبل الصبر زينب (ع) "أيّ دم لنا سفكتم، وأيّ كبد لنا فريتم" في نعي سنده سيد شهداء محور المقاومة الحاج قاسم، وعرفناه في كلّ نصر أكثر، حتى صارت دمعته العاشورائية تعبر في مجرى أعيننا قبل أن تبلّل أجفانه، وصارت غصّته المتألّمة لأنّات المستضعفين الفقراء الكرماء توجعهم أكثر من أنياب الفقر والحاجة التي تنهش قلوبهم، لأن غصّة العزيز الصائم أقسى عليهم من كلّ مواجعهم.
٦٣ حبًّا. وكل الدهور لا تكفي لاحتواء فيض الحبّ في قلوب المتباركين اليوم بميلاده. ٦٣ شمعة أشعلت في كل قلب احتفاء وودًّا وتعزيزًا لصلة العشق التي باتت كصلة الرّحم، لا يقطعها سوى الأشقياء.
يا سيّدنا، ما تعجز الكلمات عن ترجمته يتكوّر في الأعين دمعًا يحمد الله أن عشنا زمنك ونلنا عزّة أن تكون قلوبنا دورًا أنت عزيزها وأرضًا أنت عطف الله على أيامها. ٦٣ حبّا، ولعل الصلاة في القدس أمنية تسكن قلبك. هي تسكن قلوبنا أيضًا، ونراها قريبة، بعينيك سيّدي، نراها أقرب.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024