نقاط على الحروف
الجرح الذي نزف قنابل
ايهاب زكي
إنّ الجرح العربي في فلسطين نزف أمس قنابل، تنسف أوهام أرذل الأقوام بالبقاء، وترفع هام العرب إلى عنان السماء، وتنحني أمامها رقاب العتاة من مطبعين أو متخاذلين قسراً، قنابل القدس جعلت من أمن الكيان أشلاءً، ومن أحلامه باختراق الوعي شتاتًا.
في تعليقه على عملية القدس المزدوجة، يقول قائد شرطة الكيان المؤقت في القدس "أريه" عميت: "إنّ هذا الجيل من الفلسطينيين هو جيلٌ مختلف، ويعرف التنظيم، وهو جيل يعرف العمل، وهو جيلٌ أكثر احترافية وأكثر تعلماً، وهو جيلٌ لا نعرف عنه شيئاً". والحقيقة أنكم تعرفون كل شيء، تعرفون أنكم مغتصبون قتلة، وأنّ وجودكم على هذه الأرض مسألة وقت، وأنّ لكل جيلٍ قاتلكم أدواته التي أدمتكم، وأنّ كل جيلٍ فلسطينيٍ وعربيٍ تعلّم أنكم زائلون، وأنّ قتالكم وقتلكم هو أسمى الأمنيات، وهذا العلم وحده كافٍ، ليجعل من كيانكم أثراً بعد عين.
ويقول السياسيون في الكيان المؤقت إنّ "هذه العملية أعادت عقارب الساعة إلى الوراء، إلى زمنٍ كدنا ننساه، زمن الانتفاضة الثانية عام 2000، كذلك هبة النفق عام 1996"، والقصد زمن العمليات الاستشهادية، الزمن الذي كانت تتطاير فيه أسقف الحافلات على وقع التفجيرات المتلاحقة، وتتناثر معها أشلاء القتلة من جنودٍ ومستوطنين، والنسيان عيبٌ في القتلة، فحين ينسون ثارات ضحاياهم يخلدون للراحة، وهذا ما يجعل قبضات ضحاياهم أقرب لرقابهم، ولكن في فلسطين مهما نسيتم أو تناسيتم، لا شيء سيفوق ما ستذكرون من أهوال النهاية، فإنّ زلزلتها شيء عظيم.
إنّ الأمم التي لا تنسى ثاراتها هي الأمم الحيّة، وهي الأمم السيدة في المستقبل، حتى لو لم يكن لديها ما تقاتل به إلّا الأظافر، ونحن أمّةٌ لا يمكن لها أن تنسى ثأرها حتى لو أرادت، فالقتلة من أعدائها لا يرعوون عن تذكيرها كل لحظة، بأنّهم أوغادٌ رعاديد، وأنّ سكاكينهم لن تتوقف عن الذبح مهما أبدينا تسالماً وتسامحاً، وأنّهم قبل تسلحهم بالحديد والنار، تسلّحوا لها بالرذالة والنذالة وشهوة الإلغاء.
في خضم الرهبة أمام قدسية القنابل، حيث نفوسٌ عظامٌ تجعل من جدران الكيان المؤقت هباءً، تطلّ نفوسٌ صغارٌ وجباه ملطخة بالعار، لتُدين عملية القدس، نفوسٌ جُبلت بالتطبيع فكانت أشد خبائث وأكثر استنذالاً، وهذه الإدانات هي وسامٌ على صدر الفدائيين المجاهدين، لأنّ نقاء العمل يتطلب تنقيته من الخبائث، واصطفاف الخبائث الصغرى جانب الخبائث الكبرى، يجعل من المؤمنين صفاً واضحاً لا غبار عليه.
فحزب الله مثلاً، قال في بيانه تعليقاً على العملية إنّ "الشباب الفلسطينيين يبعثون برسالة تيئيسٍ إلى الغاصبين الصهاينة، بأنّ لا مكان لكم على تراب فلسطين الطاهر"، وهذه رسالة جليّة من العملية وسابقاتها ولاحقاتها، وكذلك هو موقفٌ اعتياديٌّ بالنسبة للحزب، لكنه في زمن "الأسرلة" يُعتبر سلاحاً ووضوحاً وعروبة، بينما المدانون بإداناتهم يرونها زمناً عابراً، وأنّهم قادرون عبر جهرهم بالخيانات الرذائل، من تأبيد الكيان المؤقت في فلسطين، وإن لم تكن وقاحاتهم تكفي، فلديهم المال والإعلام والمسترزقون بعوراتهم الوطنية والفكرية والإنسانية.
إنّ يوم قيامة فلسطين والأمة آتٍ لا ريب فيه، والكيان المؤقت زائلٌ زوالاً عاجلاً، وقتالهم وقتلهم وهم ينظرون لا مفرّ منه، وسيعلم حينها أرذل الأقوام أنّ خطأهم القاتل كان استيطان فلسطين، وأنّ أفضل ما سيورثونه لأخلافهم العبرة، فالتفكير ألف مرةٍ ولو بعد ألف سنة، قبل الإقدام على تكرار التجربة في فلسطين.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024