نقاط على الحروف
مجدّدًا.. "العربية: "أن تكذب أكثر"
ليلى عماشا
لا يمل الخائبون، واعلامهم لا يكفّ عن استغباء جمهوره بحيث صار مجرّد البوح بالركون إليه مصدرًا إخباريًا مدعاة سخرية أو إشفاق. مما لا شك فيه أن الحرب الإعلامية تفرض على كلّ جهة أن تستخدم أدواتها الطبيعية بمواجهة الخصم، وأن تؤدي دورها المرسوم بدقّة واحترافية. وإذا كانت المصداقية والدقّة واحترام العقول من أساسيات كلّ أداة تُستخدم في معسكر الإعلام المقاوِم، فمعسكر الإعلام الخادم للصهاينة استسهل الكذب حتى بات أداته الوحيدة، واحترف احتقار عقول متابعيه، وبشكل مكشوف، حتّى صار مطمئنًا إلى إمكانية تضليلهم بدون مشقّة، وتحريضهم بدون بذل أي جهد في حبك الأكاذيب أو تعقيدها.
ليل أمس، وما إن أنهى السيد نصرالله كلمته في احتفالية المولد النبويّ الشريف، بدأ إعلام التصهين الناطق بالعربية بالتعبير عن نفسه، سواء على صعيد المؤسسات الإعلامية أم على صعيد المنصات الإلكترونية التابعة لأسماء نزلت إلى ميدان المعركة الإعلامية عبر منبر وسائل التواصل. لا يمكن رصد كلّ ما ورد لكن يمكن التأكيد أنّه متقاطع وصادر عن عقل محترف الكذب، تتشابه تعابيره مهما تعدّدت لهجات حامليه وثقافاتهم وخلفياتهم والأسباب التي تدفعهم إلى المجاهرة بمعاداة الحق وامتهان تشويه الحقائق. أبرز الأضاليل كانت تلك التي وردت على شاشة "العربية"، فقد عنونت: "حزب الله يقرّ بمباركته اتفاق ترسيم الحدود ويقول أن لا مشكلة لديه مع إسرائيل". هكذا، بدون أي مراعاة لعقل المتلقي، الذي لا يحتاج لاستخدام الكثير من طاقاته لاكتشاف حجم الكذبة، أعلنت "العربية" عن استنتاجها العجيب بسلاسة ووقاحة مهما تكرّرت تبقى مستهجنة، ليس لأنّ هناك عتبًا على إدارتها، فلا مشتركات تُعاتب على أساسها، وإنّما استهجانًا وربّما اشفاقًا على الذين سيقرأون الخبر ويصدّقونه، ولو كاحتمال قابل للتأكيد أو للنّفي.
دعنا من التعاطف مع المتلقين، ماذا عن الحدّ الأدنى من المهنية التي تفرض أن يُرفق كل استنتاج اخباريّ بمقتطف ولو مجتزأ يؤكّده؟ لا يوجد. طيب، ماذا عن الحد الأدنى من المنطق في عرض الإستنتاجات؟ لا يوجد. حتى لو تجرّدنا من أي موقف مسبق يحتّم وجودنا في معسكر الإعلام المقاوم، إذا أردنا لبرهة المراقبة والمتابعة كمتلقين "حياديين"، كيف يمكن المرور على استنتاج كهذا بدون الشعور بأنّ الكذبة هذه المرّة اتسعت إلى حدّ يهين المنطق والجمهور وكلّ مدارس الإعلام ونقل الأخبار حول العالم. من جهة أخرى، تفرد "العربية" مساحة هامة من هوائها للهوى الصهيوني. أليس من البديهيّ أن يتساءل محرّر الخبر أعلاه عن رأي الصهاينة أنفسهم حول ما كتبه؟ ألا تثق "العربية"، ولو شكليًا، بالمصادر الصهيونية التي تدرك، بكلّ أطيافها، أن الخطر الأشدّ على وجود كيانها يتمثّل بحزب الله، وأن القول أن لا مشكلة لدى حزب الله مع "اسرائيل" هو ليس مجرّد كذبة قد تُضمّ إلى أرشيف وفير من الأكاذيب المسجلة والموثّقة، بل هو محاولة تحريضية وجهتها هذه المرة أهل العداء لـ"اسرائيل" في العالم العربي والذين يرون بحزب الله حركة تحرير موثوقة ووازنة، وبابًا إلى مزايادات رخيصة على الحزب الذي يعادي الصهاينة دون مهادنة أو حتى هدنة في كل الميادين؟
ما عنونته "العربية" جاء تكملة لحملة جهل وتجهيل تضليلي بدأت سابقًا واشتدت في الأيام الأخيرة، تتمحور حول توصيف الإتفاق الموعود حول ترسيم الحدود البحرية بالسابقة وبالخطوة الأولى نحو التطبيع والإعتراف الرسمي اللبناني بكيان الإحتلال كدولة شرعية. ولعل القائلين بهذه الترّهات اعتقدوا أنّ جميع الناس هم على درجة من الجهل تسمح بتمرير أخبار وتحليلات كهذه، فالجميع تقريبًا يدرك الفرق بين التعامل الواقعي مع الجزئيات ومنها الترسيم الذي سبقه أصلًا ما سمّي بخط الإنسحاب أو حتى المفاوضات غير المباشرة في ملف تبادل الأسرى والتي جرت أكثر من مرة، دون أن تقارب أو تقع في أي مرّة تحت احتمال التطبيع.
"العربية، أن تكذب أكثر" يصح اليوم أكثر مر أي وقت مضى شعارًا يليق بهذه القناة، ويمكن تعميمه على سائر الخائبين، أفرادًا ومؤسسات.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024