نقاط على الحروف
النموذج الإيراني واشكاليّات رعاة البقر
ايهاب زكي
لأنها إيران بكل ما تختزله من نموذجٍ للتحدي، يتم تحويل الأحداث اليومية فيها إلى وقائع سياسية، ويتم تضخيمها مهما كانت اعتيادية، تضخيمها حد اعتبارها مؤشراتٍ فوق استراتيجية، وقد يتم اعتبار سلوك روتيني لشرطي مرور في شوارع طهران، تهديدًا للأمن والسلم الدوليين.
والقضايا الحقوقية تستغلها إمبراطورية الشر، باعتبارها مداخل للابتزاز السياسي والشيطنة، رغم أنّ الولايات المتحدة والغرب الاستعماري عمومًا، آخر من يسمح لهم تاريخهم وحاضرهم، بالحديث عن الحقوق والحريات، فضلًا عن تبنيها وحمل لوائها، حتى حضارتهم التي سلّعت كل شيء، بما في ذلك المرأة، أبعد ما تكون عن التنطع بالحقوق.
قال رجل دين إبّان غزو العراق "إذا كان الدين لا إكراه فيه، فهل تكون الديمقراطية بالإكراه؟". نعم، إنّ راعي البقر يريد إكراه الشرق على أن يصبح متغربًا، وبالتالي طيعًا لإرادته، يشكّله كيف يشاء، وينهبه كيف يشاء، ويستعبده كيف يشاء.
وتحتل المرأة حيزًا كبيرًا في هذا الفكر، حيث يُراد للمرأة الشرقية أن تصبح معول هدمٍ للأسرة، وبالتالي هدم للمجتمع، فيصبح المجتمع بقيمه وأعرافه، الذي يُفترض أنه مظلة الحماية للمرأة، يصبح هو العدو، المرأة المنهوبة والمستهدفة والمضطهدة استعماريًا، سواءٌ بسواءٍ مع الرجل، يُراد إقناعها بأنّ هذا الرجل هو العدو، والمجتمع هو الخصم، وهنا يصبح المجتمع عدو نفسه، وبالتالي هشًا وقابلًا للاختراق الثقافي والسياسي.
لماذا يُعتبر تجريم النقاب في فرنسا مثلًا، عملًا مستساغًا ولا يمس حقوق المرأة، فيما الحجاب في غيرها من البلدان يعتبر جريمة وتعديا على حقوقها؟ ولماذا كان فرض النقاب في السعودية أمرًا طبيعيًا؟ أم أنّ السعودية تقع جغرافيًا ناحية عين الغرب العوراء؟ الطريف في الأمر، أنّ كتّابًا سعوديين، وكتبة يقبضون نفطًا، يهاجمون إيران لأنّها وفق زعمهم "تنتهك حق المرأة بخلع الحجاب"، ولكن السؤال الأهم، ما علاقة زيّ المرأة بالسياسة؟ ولماذا من يطالبون بفصل الدين عن السياسة، هم أول وأكثر من يُقحم الحجاب في السياسة؟
والأمر لا يقتصر على إيران، فأيّما مكانٍ أراد رعاة البقر نهبه وتدميره، أشاعوا لغة الحريات والحقوق والمساواة، حتى أنّ الكيان المؤقت، بدأ بتعلم هذه التقنية، وقد صرح لابيد ـ رئيس وزراء الكيان المؤقت ـ "بأنّه لا يمكن التفاوض مع حركة حماس، لأنّها تكره اليهود وتكره المثليين وتكره النساء، وتريد قتل كل ما هو عزيز علينا". لابيد لا يكره حماس لأنّها تمتلك الصواريخ، بل لأنّها تكره "المثليين" العزيزين على قلبه، ولأنها "تكره النساء وفق زعمه، ولو أصبح الشعب الفلسطيني "مثليًا"، فلن يكتفي لابيد بحلّ الدولتين، بل سيغادر ومستوطنيه من حيث أتى، مع اعتذارٍ مشفوع بالتعويضات، عن سنوات الاحتلال والاستيطان والقتل والاعتقال والسلب والتشريد والتهجير، وكل جرائم الحرب التي لا تُعدّ ولا تُحصى.
لا تترك الولايات المتحدة ورقة مهما كانت محترقة، إلا وتستخدمها في الضغط على إيران، بغية الوصول لاتفاقٍ نوويٍ يجرد إيران من قوتها ونفوذها. ورغم التحصين الظاهر للمجتمع الإيراني، إلّا أنّ رعاة البقر لا يتركون شاردة أو واردة إلّا ولاحقوها، علّهم يجدون فيها ضالتهم، وهي تشويه نموذج المقاومة الإيرانية، ونموذج التفوق والصمود الإيرانيين، للوصول إلى نتيجةٍ مفادها أنّ أقصر الطرق للاستمتاع بالحياة، هو الاستسلام لرعاة البقر.
إنّ أخطر ما في النموذج الإيراني هو التحدي أولًا، وامتلاك المعرفة ثانيًا، وهذا نموذج يجب تحطيمه غربيًا، وبما أنّ تحطيمه عسكريًا أمرٌ دونه صعابٌ جمة ومجازفات لا حدود لها، يُصبح تحطيمه داخليًا خيار الضرورة والاضطرار، ولكن من حصّن نفسه من قوة الغرب الخشنة، من السهل عليه تحصين نفسه من قوته الناعمة السامّة.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024