نقاط على الحروف
حكاية بطل من بني معروف: صائد أول دبابة صهيونية توغلت في أرضنا عام 1972
مفيد سرحال
كي لا تذوي في غياهب النسيان على حاجب الزمان، تأتيك بالنبأ اليقين حكاية لا شيء يحد جهاتها.
ثمة حكاية بطل يعُبُّ لهوفًا عبير الشهادة، وسط لهيب الردى فوق الأرض الوجيعة، هناك في مثلث بيت ياحون ـ صف الهوا شابٌّ عشريني يافعٌ من قطوف الشذا، سامق الجاه عزيز مداه كما حرمون. قطَّب جفن الردى في زِحامِ البارود يوم ضاقت التخوم ونكأت الشظايا الكلوم، فواسد تراب جبل عامل والنبع الوديع وشتلة التبغ.
عيناه على وطن خبأه في جعبة ليوقظ في مبسم الفجر لحن قعقعة السلاح، والشَّعر المبتل بالشرر أوغل واحتدم في المضمار، وعلى زنديه يلهو الوقت المضمخ بالنار والغار، والنزف والجسد المتشظي أهزوجة الأعراس، وبوح الدم أراجيح الوفاء والتضحية والشرف، فازدهى عرسه في بنت جبيل ومارون الراس وعيترون وبليدا كأنه رجع صدى الحُداء في عين عطا وعيحا وعين حرشا وبكيفا وتنورة والعقبة. طقس العنفوان واحد ووشم الوحدة كأطياب الوجد وثغر الورد.
عارف فايز الساحلي الجندي اللبناني ابن عين عطا من عشيرة بني معروف، من أشاوس وادي التيم المتيم بالشمم وعاليات الهمم مشى على النار بحبور يرفل بالعز، امتشق دمه ذات عدوان صهيوني على لبنان في 16 ايلول/ سبتمبر عام 1972 ورمى بطلقة برق وهبوب ومض رأس حربة الرتل الآلي اليهوهي (ابناء يهوه اليهود) الزاحف نحو محور بيت ياحون ـ صف الهوا. وبعد استشهاد رفاقه، تسمَّر كالصخرة الصلدة فوق مدفع الـ106 المباشر المكفَّن بمعزوفة الموت وغدا الملقِّم والمسدّد والرامي في آن، فأعطب الدبابة الاولى والثانية تفحَّمت والثالثة تكوَّرت والرابعة تجمَّرت وأعيا جند الصهاينة الذين استماتوا لازاحته واستشاطوا حقدا فعاجلوه بغارة جوية ليتشظى جسده كصهيل الاسطورة خلف الجراح.
الشهيد البطل المقدام عارف فايز الساحلي يوم داس التراب رِكاب الغزاة الطغاة كان أمير الرماة محققًا سبق الصدِّ معيرًا جمجمته لله: إما الصمود وإما المنون وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، وفي ضَرَمِ الزحف خَفَّ للنزال يُعلِّم كيف يذود الرجال، وفي رصيده حطام دبابات أربع حولها الى ركام، ومرجة حمراء من شقائق النعمان تستفيق كل عام وتحنو على ثرى الجنوب وبأدهش الكلمات تخط بالقاني سفر عز وبطولة دفيقة.
ولا زال حتى اليوم رغم عقود من الزمن يستذكر أهالي القرى المجاورة ويتناقلون حكاية البطل عارف فايز الساحلي الذي صمد صمودا اسطوريا في أرض المعركة مع الغزاة اليهود مثَله كمثل عشاق الحياة الحرة الوالغين في أفانين المنون صونا للحياض دفاعا عن شرف السيادة.
16 أيلول/ سبتمبر 1972 في سجل الخلود ذكرى تأبى الذبول ليبقى عارف الساحلي صعقة تخرق حجب الرضوخ والخنوع ونبع شذا البطولة كلما استفاقت جروح.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024