نقاط على الحروف
حسن وياسر.. أخوّة الشهادة
ليلى عماشا
غارة اللّيل على "عقربا" بالقرب من دمشق جعلت من صباح يوم الأحد ٢٥ آب/ أغسطس ٢٠١٩ مساحة زمنية استقبل فيها أهل المقاومة نبأ استشهاد قمرين هما حسن زبيب وياسر ضاهر، على اثر الغارة التي استهدفت بيتًا يستخدمه حزب الله في سوريا.
كان الخبر، وإن كان يفيض بالعزّة، يستحضر كلّ الأقمار السّابقين في لحظة واحدة. سرى بين الناس مسرى الحريق في حقول القلوب، فحسن وياسر، الرفيقان المجاهدان اللذان درسا معًا وسافرا معًا وجاهدا معًا حتى الشّهادة، كانا أقرب من صديقين متلازمين، كانا توأمًا سار في طريق واحدة، حتى في أدقّ التفاصيل، تلك التفاصيل التي لا يمكن أن تكون إلّا توفيقًا إلهيًا يعجز عن الإتيان بمثله بشر.
ساعات قليلة بعد البيان الرسمي الصادر عن حزب الله والذي زفّ الشهيدين كانت كفيلة بجعل كلّ من تلقّى الخبر يشعر وكأنّ حسن وياسر كانا صديقيه المقرّبين، بل كانا من أبناء بيته، ومن أفراد أسرته. الصور التي تجمعهما من الضاحية إلى إيران، حيث درسا الهندسة معًا، كانت تحكي وحدها عن سرّ سماوي واحد تكامل في الوجهين المفعمين بالنّبل وبالحياة وبالعشق وبالشهادة.
في صباح ٢٥ آب/أغسطس، زفّت المقاومة المجاهد حسن زبيب شهيدًا، وجرى حديث عن وجود شهيد ثان في الغارة لم يتمّ الإعلان عن اسمه بعد. كلّ من عرف حسن وياسر، أدرك أن ياسر هو القمر الذي سيُزفّ اسمه بعد قليل. وكلّ من رأى صورة حسن الشهيد، لمح ياسر إلى جانبه، حتى قبل أن تقع عيناه على الصورة التالية. بعد وقت قصير جدًا، صارا اسمًا واحدًا: حسن وياسر. صورهما، تسجيلات عفوية لهما، سمات من شخصيتيهما، حكاياتهما، جميعها صارت حديث الناس، سكنت في الدموع التي تناقلت الصور مرفقة بالخبر.
تمّ تشييع الشهيدين أولًا في مقام السيّدة زينب (ع). غادرا الشام في نعشين ملفوفين براية المقاومة، على وقع دمعات التبريك التي رافقتهما إلى الضاحية، حيث اللقاء الأخير بالعائلتين اللّتين معًا دخلتا إلى الجمع المقدّس لعوائل الشهداء، وبالأصدقاء الكثر الذين تجمّعوا بانتظار وصول حسن وياسر.
وصل النعشان إلى ضاحيتهما. والأهل قافلتان إحداهما آتية من النميرية جنوبًا والثانية من البقاع، حيث بيت جدّ ياسر لأمّه. وصل أهل ياسر أولًا، وقبل دخول الوالدين لوداع حبيبهما، مرّا بصديقه وعزيزه حسن، ثمّ دخلا إليه، حدّقا في وجهه الجميل بصلابة زينبية، ثمّ خرجا لاستقبال عائلة حسن التي وصلت للتوّ إلى المجمّع. هنا، كان المشهد يحفر في القلوب دروسًا بالصبر وبالعزّة. تعانق والدا الشهيدين وهما يتبادلان التبريك والتهنئة، ويتقاسمان فيض الفخر بابنيهما. أمّا الوالدتان، فأمسكت كلّ منهما بيدي الأخرى. كانتا نتمتمان بكلمات الأمومة التي "ما رأت إلّا جميلًا"، ومعًا تحمدان الله على كرمه العجيب، أن قدّر للصديقين شهادتهما معًا وتشييعهما معًا إلى روضة الحوراء (ع) في اليوم التالي متجاورين كوردتين على غصن واحد.
كلّ التفاصيل التي رافقت مسار حسن وياسر، ولا سيّما تلك المتعلقة بتشييعهما، كانت تجليًّا مدهشًا لعبارة "لا أدخلها إلّا وأنت معي"، ولذلك كان وقع استشهادهما درسًا روحانيا يدرّب القلوب على اليقين، ويكشف لها وجه الأخوّة الحقّة التي تجمع بين الكثيرين من أهل القتال، وتجلّت في حسن وياسر اللذين نعاهما حبيبهما السيد نصر الله، وقد أرسى معادلة جديدة وضعت الصهيوني بكل وجوده أمام تهديد حقيقيّ ومباشر، وتشهد "أڤيڤيم".
اليوم يتمّ كل من حسن وياسر عامهما الثالث في سجلّات الشهداء. الشّابان اللذان درسا معًا في ثانوية "المهدي ـ شاهد" وذهبا إلى قزوين لدراسة اللغة الفارسية وانتقلا بعدها لمتابعة التخصّص بالهندسة في طهران، صارا في مثل هذا اليوم أيقونة صداقة بلغت حدّ التلازم من مقاعد الدراسة إلى ساحات الجهاد، وصارا ابنين حبيبين في كلّ بيوت أهل المقاومة، ينظر الناس إلى صورهما بحبّ وتقدير عميقين، يتعرفون إلى أحدهما في وجه الآخر، وفي سيرة الآخر، ويروون فيهما سيرة واحدة سُمّيت باسمين: حسن وياسر.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024