معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

والغلبة لأهل الأرض..
30/05/2022

والغلبة لأهل الأرض..

لطيفة الحسيني

يوم فلسطين كان طويلًا الأحد. من أذان الفجر الى أذان العشاء، صور وحكايا الأبطال لم تنضب. البسالة خيّمت على شوارع القدس والبلدة القديمة وحيثما وقعت مواجهات مع قطعان المستوطنين. المشاهد تروي عظمتها. أبناء الأرض يحسمون ولا يهادنون.

العلم الفلسطيني يُرفرف. يخرق جيش المُسيّرات الاسرائيلية المنتشرة في الأرجاء. المستوطنون على الأرض، وعلم الفلسطينيين في سماء باب العمود. تعبيرٌ يحمل الكثير من المعاني: تحدٍّ، ثباتٌ، صمود ورفعة. خطوة سُيّرت لتعرّي ادعاءات العدو. "درون" صغيرة لا تُقارن بما لدى أجهزة الصهاينة، تتمكّن من إرباك المنظومة الاسرائيلية. اضطرابٌ يُصيبها وينسف كذبة تفوّقها الأمني. الصدمة تُسيطر عليها: كيف أتت؟ من أين انطلقت؟ الخيبة تتجدّد بعد مسلسل الهزائم الكبرى والصغرى.

في الإطار مُسنّة فلسطينية، تُرابط في الأقصى. تتحرّك غيرتها على هتك جنود الاحتلال لحرمة المسجد، تتقدّم نحو العناصر. بعكّازها الخشبي، تطردهم من أقدس مكان يُدنّسه الصهاينة. على تواضع همّتها، استطاعت دحرهم بعصاها التي أضحت سلاحًا، من قبلة المسلمين الأولى، برفقة المرابطات هناك اللواتي رحن يُكبّرن طيلة الوقت.

في أزقّة القدس، أهل المدينة يُسطّرون ملاحم حيّة لمقاومة شعبية لا تخمد أو تتراجع. كهل فلسطيني يظنّ المحتلون أنه عاجز عن التعبير. يمرّ الشيخ المُعمّم بكوفيّته العتيقة غاضبًا رافضًا مُمتعضًا. بلكنته المقدسية، يلعن العدو ورئيس حكومته نفتالي بينيت، ويُلحق رئيس السلطة محمود عباس به. سخطٌ بادٍ يعكس حجم النقمة التي يشعر بها أهل فلسطين تجاه الصهاينة وأعوانهم، ويُظهر عمق المقاومة الشعبية.

الشيخ نفسه يُعيد تهشيم الصورة الاسرائيلية. بعد دخوله المسجد الأقصى، يرفع حذاءه بوجه جنود العدو والمستوطنين. يكسر غطرستهم، ويهزأ بهم وبجُبنهم.

غير مبالٍ بما يرمي إليه جندي الاحتلال، يستمتع شابٌ فلسطيني بــ"سيجارته" بوجه عدوّه، وكأنّ شيئًا لم يكن أمامه. يتقصّد رمي الدخان على محيّا الصهيوني، ويُكمل مرة أخرى تدخينه. لا يأبه بتفتيشه أو تعرّضه لأيّ خطر. تكفي لغة عينيْه، حتى يتلمّس من يُتابع المشهد استفزازه المُحبّب للجماهير وأنصار القضية. حيّ على الإزعاج، فكيف اذا كان أحد الجنود الاسرائيليين. احتقار واستخفاف وازدراء واستصغار كي يبقى ابن الأرض شامخًا عظيمًا.

على امتداد ساعات الأمس، لم يهدأ الفلسطينيون. تصدٍّ ومواجهة للمستوطنين المتطرّفين كيفما حلّوا. أحد الجنود يعتدي على امرأة فلسطينية. بلمح البصر، يحطّ أحد الفرسان لينقضّ على المُهاجم و"يُحطّمه" بركلة جبّارة حتى لا تسود فعلته، وتظلّ نساء فلسطين عزيزات كريمات مُحصّنات.

غزارةٌ في المشاهد ودلالاتها. في شارع صلاح الدين العلم الفلسطيني يُرفع بلا خوف وقلق. لم يعد هناك ما يثير الرعب والذعر. لا سجن أو تابوت يُرهب أصحاب الحقّ. إحدى المراسلات هناك تلفت الى أنها سابقة، لم يعهدها الداخل المحتلّ. قد تكون مرحلة جديدة ومغايرة تمامًا لما كان مُسيطرًا قبل اليوم.

الأبلغ تعبيرًا في كلّ هذا رُسم عند باب العامود، حيث لم يتجرأ المستوطنون على الرغم من عربداتهم المُستمرّة على اجتياز المدخل. تحذيرات المقاومة وتحرّكات جمهورها أتت أكلها. وكأنه "قطافٌ" لزرع الخوف في نفوس المستوطنين. لغة الرقص والاستفزاز لم تعد تُجدي. الفلسطينيون يقرّرون ويقلبون المعادلة. الخشية الى أفول، وها هي بوادر التحرير تحين.

القدس المحتلة

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف