معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

"الثقافة اللبنانيّة": هل من تعريف؟
20/04/2022

"الثقافة اللبنانيّة": هل من تعريف؟

ليلى عماشا

حين دخل مصطلحا "ثقافة الموت" و"ثقافة الحياة" إلى مصنع "الحكي" في السياسة اللبنانية، جرى التلاعب بمضامينهما الى حدّ افتراض الذلّ حياةً والكرامة موتًا وما بينهما، مسافة حاول البعض دسّ كلّ أنواع السموم الغربية فيها، ولا سيّما تلك التي تحمل طابعًا ثقافيًا، بكلام أدقّ، لا سيّما تلك التي تأتي في إطار إرضاء الأميركي، سياسةً وحلمًا، سواء تلبية لتوجيهات عوكرية أو من ضمن مبادرات يحاول فاعلوها تقديم أوراق اعتماد في مواجهة "ثقافة المقاومة" التي تشكّل بيئة حزب الله نواتها الأساسية، علمًا أنّها ثقافة عابرة لكلّ الحدود الطائفية والمذهبية والفكرية والمجتمعية، فهي في أصلها ثقافة الأرض وأهلها.

صارت "ثقافة الحياة" مرتبطة بالفردانية، بتغذية شعور الفرد بحقوقه وواجباته قياسًا بنمط حياة مترف، مهما كان الثّمن، ومهما بلغ حجم التنازلات على كلّ المستويات ولا سيّما القيمية منها، وبتعزيز النمط الغربي بكل مظاهره والذي لا يتمّ إلّا بتوهين وتكسير الأنماط المغايرة، وطبعًا بتكريس انفصال المرء عن واقعه، عن أرضه، عن قضاياه، عن تاريخه وموروثاته وفطرته.

بالمقابل، عرّف الخائبون ثقافة الموت بكونها جمع المفاهيم السامية والتي تعلي شأن الجماعة وتحفظ الحقوق والواجبات ذات الطابع العام كالانتماء والإيثار والتضحية والترابط والتضامن حول قضايا محقّة والحفاظ على الحدّ الأدنى من مظاهر مواجهة الظلم والصبر والبصيرة، والمقاومة، نعم، المقاومة التي هي حقّ شرّعته حتى المواثيق الدولية المفصّلة على قياس الدّول الكبرى، ليس إيمانًا منها بشرعيته وإنّما رضوخًا لطبيعة الأشياء، فالمقاومة عمل يرفع قيمة الإنسان وكرامته وارتباطه بأرضه وحقوقه بمواجهة أيّ طرف يريد سلبه إنسانيته وعزّته وقِيَمه وأرضه  وممتلكاته.

دعنا من الخطابات الانتخابية التي تجترّ أحاديث الطعن بالمقاومة في سبيل استقطاب كلّ صوت لديه قابلية الغدر ومخزون حقد ضدّ مَن حرّر الأرض وحماها، فالحديث عن ثقافة المقاومة يتطلّب بالحدّ الأدنى قدرة مقبولة لدى المتحدّث على احترام عقل المخاطبين من جهة، وقدرة على التحرّر من الإملاءات والتوجيهات التي توهمه بمنصب أو بحصّة في السلطة في حال تنفيذها. ولذلك، حين يتحدّث الصغار الخائبون خرّيجو المؤسّسات المرضيّ عنها أميركيًا عن ثقافة المقاومة كثقافة هجينة، لا يملك السامع إلّا أحد الشعورين التاليين: الإشفاق على جهل المتحدّث بطبيعة المقاومة وثقافتها وارتباطها الجذري بالأرض وأهلها وببنيتها القيمية والأخلاقية والطبيعية والمجتمعية، أو التقزّز أمام مشهد إعلامي يحوي هذا الكمّ من التضليل، ومن الإنكار الجماعي والمتعمّد للوقائع والحقائق.

حسنًا، ما هو تعريف "الثقافة اللبنانية"؟ كيف تمّ فصل ثقافة المقاومة عن الثقافة اللبنانية؟ في بلد لولا المقاومة فيه لكان كلّ من فيه وما فيه اليوم في أحد الحضنين: الصهيوني أو التكفيري، واللذين يمثلان في الواقع حضنًا واحدًا. وكيف ارتضى حاملو شعار "الثقافة اللبنانية" على أنفسهم بل كيف سمحوا لأنفسهم بتغريب ثقافة المقاومة واعتبارها ثقافة دخيلة وهجينة؟ ما هو الحجم التمثيلي الذي يتمتعون به ليفترضوا أن من حقهم اختزال الثقافة بنظرتهم الشخصية والفردية للقيم؟ عن أي ثقافة يمكنهم الحديث وهم يجهلون أصلًا ماهية الثقافة، كلّ ثقافة، ويحاولون إلغاء كلّ ما لا يتماثل معهم، رغم ظهور قبحهم الذي لا يشجع عاقلًا على الرّضا بالتماثل معهم؟

عن أيّ مجتمع يتحدّثون وهم أسرى ذواتهم ومشغليهم، ومنفصلون عن محيطهم وواقعهم وليس فقط عن فهمه وتحليله بشكل صحيح؟ من قرّر أن ما يسمى بالثقافة اللبنانية هو نمط حياة معيّن لا يتبناه ولا يلتزمه الغالبية العظمى من حملة الهوية اللبنانية؟ من أوكل إلى متحدثين معينين اختزال الثقافة والهوية اللبنانية بشعار "نزع  سلاح المقاومة" الذي هو مطلب صهيوني صريح؟

أسئلة كثيرة لم يطرحها أيّ من هؤلاء على أنفسهم قبل أن يسقطوا أمام الكاميرات وفي اللقاءات والمهرجانات الانتخابية في مستنقع الانفصال عن الحقائق كلّها، سواء تلك التي يقرّون بها أو يرفضونها.

وأسئلة أكثر يحقّ لنا كمتلقّين طرحها على من وقفوا طابورا يتنافس أفراده على صناعة البرنامج الانتخابي الأكثر تمحورًا حول معاداة حزب الله وكلّ ما يذكّرهم بحزب الله. وما حجّة "الثقافة اللبنانية" إلّا كلام أُريد له أن يكون كلامًا انتخابيًا يبحث عن ذرّات شوفينية في النفوس ليغذيها، ولو بكلمات وشعارات ومفاهيم خاوية.

ربّما يحتاج هؤلاء للتذكير ببعض البديهيات التي لا يمكن دحضها بناء على الرغبات الأميركية ولا يمكن تمييعها إرضاء لأحد:

- ثقافة الحياة هي جميع القيم والمفاهيم التي تعزّز إنسانية المرء وكرامته وحقوقه السامية، والتي تناقض تمامًا محاصرته لدفعه إلى التنازل عنها بمقابل أو مجانًا.

- ثقافة الموت هي جمع المفاهيم والقواعد التي تفصل المرء عن محيطه الإنساني وتحيله "حيوانًا" يكتفي بإشباع حاجاته وغرائزه.

- ثقافة المقاومة هي جمع المفاهيم والقواعد والسلوكيات والقيم التي تعزّز ثقافة الحياة وتحميها بمواجهة ثقافة الموت.

- الثقافة اللبنانية.. يعرّفها المرء بحسب تعريفه لما سبق!

 

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل