نقاط على الحروف
بالأرقام.. تفاصيل تغطية الإعلام الأمريكي للأزمة الأوكرانية
د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
أميركا، رأس حربة المواجهة مع روسيا، تسخّر آلتها الاعلامية الدعائية المرئية الهائلة في خدمة هذا المجابهة بشكل غير مسبوق.
عند متابعة وسائل الإعلام الأمريكية، يتبيّن أن البرامج الإخبارية المسائية لثلاثة شبكات تلفزيونية أمريكية مهيمنة (من حيث عدد المشاهدين)، خصصت تغطية أكبر للعمليات العسكرية في أوكرانيا الشهر الماضي (أي اذار الفائت)، أكثر من أي تغطية خلال الحروب، بما في ذلك تلك التي شارك فيها الجيش الأمريكي مباشرة، منذ حرب الخليج ضد العراق عام 1991.
اللافت كان تركيز وسائل الإعلام الأمريكية على القيادة الأوكرانية بشكل مفرط خصوصًا الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي أصبح "بطل" الشاشات الأمريكية.
أيّ قنوات أمريكية تتولى التغطية المركزّة على العمليات العسكرية في أوكرانيا؟
مجتمعة، خصصت كل من الشبكات الثلاث NBC ABC وCBS قرابة 562 دقيقة لأول شهر كامل من المعارك في أوكرانيا. تخطت هذه التغطية في مدّتها ما كان عليه في الشهر الأول من الغزو الأمريكي لبنما في ديسمبر 1989 (240 دقيقة)، كما تخطت التغطية الخاصة بالتدخل الأميركي في الصومال عام 1992 (423 دقيقة)، وكذلك تغطية الشهر الأول من الغزو الأميركي لأفغانستان في تشرين الثاني 2001 (306 دقيقة)، وفقًا لتيندال (مدونة ترصد التلفزة الاميركية) التي راقبت الأخبار الليلية للشبكات الثلاث على مدار الأسبوع منذ عام 1988.
المفارقة أن الأشهر الثلاثة الوحيدة من تغطية الحروب في السنوات الـ 35 الماضية والتي كانت أكثر كثافة من الشهر الماضي، هي غزو صدام حسين للكويت في آب 1990، حيث بلغ المعدل حينها (1,208 دقيقة)، فيما وصلت مدة التغطية أثناء تحرير الكويت لاحقًا بين شهري كانون الثاني وشباط 1991 إلى (1,177 دقيقة في يناير، و1,033 دقيقة في فبراير).
حتى أن مدة تغطية العمليات العسكرية في أوكرانيا الشهر الفائت تخطت بهامش كبير، مدة تغطية الشبكات الثلاث للنهاية الفوضوية لحرب واشنطن التي استمرت 20 عامًا في أفغانستان الصيف الماضي.
وفي آب 2021، الشهر الذي شهد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، خصصت الشبكات الثلاث ما مجموعه 345 دقيقة للحدث (حوالي 60 في المائة فقط من إجمالي تغطية أوكرانيا الشهر الماضي).
وبمجرد اتمام القوات الأمريكية انسحابها الكامل من أفغانستان بحلول 31 آب، تراجعت تغطية هذه الشبكات للحدث الأفغاني بشكل سريع، حتى وصلت الى حوالي 103 دقائق فقط بين 1 أيلول 2021 ونهاية العام.
ما هو عدد مشاهدي البرامج الاخبارية لهذه الشبكات الثلاثة أيام الأسبوع؟
عمليًا، إن الشبكات الإخبارية التي تعتمد على الكابل، غالبًا ما تحظى بمزيد من الاهتمام العام، ولذلك تبقى البرامج الإخبارية المسائية لشبكات ABC و CBS و NBC مجتمعة، المصدر الوحيد الأكثر أهمية للأخبار الدولية في الولايات المتحدة.
ففي أمسيات الأسبوع، يشاهد حوالي 20 مليون أمريكي، البرامج الإخبارية الوطنية على واحدة أو أكثر من هذه الشبكات الثلاث.
ما هي محددات تغطية الاعلام الأميركي خلال الحروب؟
تاريخيًا، كان مقدار التغطية الإخبارية المخصصة للحروب الخارجية مرتبطًا بشكل إيجابي بالمشاركة المباشرة للجيش الأمريكي. التغطية الإعلامية للحروب في أميركا دائمًا ما تكون أكثر أهمية عندما تكون حياة الأمريكيين في خطر. ما تجدر معرفته أن الحرب الوحيدة في العقود العديدة الماضية والتي كرست لها الشبكات الثلات وقتًا مماثلا للوقت المخصص لتغطية العمليات العسكرية في أوكرانيا، كانت في كوسوفو في أبريل 1999 (565 دقيقة) عندما قادت الطائرات الأمريكية حملة قصف مركزة لحلف "الناتو" ضد صربيا.
قلبت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا جميع الأنماط الطبيعية للاستجابة الصحفية، حيث سيطر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فعليًا على الشاشات الأمريكية، ونجح الى حد كبير في اقناع الامريكيين بالسردّ الذي نقله اليهم عبر الشبكات الثلاثة.
زد على ذلك، أن كلا من ABC World News و NBC Nightly News ، ساهموا بشكل ملفت، بالترويج لصورة زيلينسكي، وذلك عبر قرارهما إجراء مقابلة مطولة معه.
وتعود كثافة التغطية في الشهر الماضي، الى أهداف ترتبط بسياسة واشنطن وانخراطها بوضوح بالأزمة الأوكرانية، ومحاولتها كسر موسكو وافشالها.
في المحصلة تدعي وسائل الاعلام الامريكية أنه في معارك لا تشارك فيها الولايات المتحدة، يكون الموقف الافتراضي لها هو البحث عن طريقة عادلة ومتوازنة لتقديم جانبي الصراع. غير أن الأزمة الأوكرانية أظهرت زيف هذه الادعاءات، إذ تعمدت بث كل مواقف وخطاب وحركات زيلينسكي حصرًا، وجعلت منه نجمًا مرغوبًا على المستوى الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي في امريكا، ولم تواجه مشكلة في تقديم الصراع من وجهة نظره، وهذا يتناقض مع الاخلاق الاعلامية التي لطالما تغنت بها هذه الوسائل.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024