نقاط على الحروف
"كرمان" وجهة العاشقين
ليلى عماشا
تصبح أيام ذكرى الميلاد دهرًا من وجع حين تمرُّ بعد الفقد، فكيف إذا كان الفقد جرحًا عظيمًا لا يهدأ، وكان المولود أمّة تحوي التاريخ وترسم المستقبل، وتبقى في الحاضر جيشًا يقاتل لأجل الحبّ؟ وهل الحقّ والقتال لأجله سوى أعلى وأرقّ مراتب الحبّ؟
في ١١ آذار ١٩٥٧، أكرم الله "كرمان" بمولد قائد موقن، "جنديّ" بطل، ثائر تأوي إلى دفء حضوره قلوب أهل الحقّ في الأرض، ولا يبغضه سوى أهل معسكر الشيطان، وليّ أهل العسكر الترابيّ الوفيّ، سيد شهداء المحور والمهيب الذي ليس كمثله أحد.
تُحصى أيام الفقد، تُوثّق، تُكتب بالحبر وبالدمع، ولا يمكن لآلة أو أداة أن تكتب وتوثّق وتحصي حكايات القاسم السليماني، فالحكايا تنتهي بانتهاء الأثر، وهو الأثر الذي ما زاده ذاك الغياب الجارح إلا تألقًا في الحضور، حتى يكاد المرء يسأل نفسه، هل غاب حقًّا؟ أم أنّه من فرط حبّه ظلّ بيننا وما الكفُّ المقطوعة التي قصمت ظهر القلوب تألّمًا سوى رسالة: سأعبر، لكن ها هنا كفّي، ستبقى حصنًا يحيط بقلوبكم، وسلاحًا يصيبُ أعداءكم في ألف مقتل كلّما ظنّوا أنْ ما زال بإمكانهم قهر المستضعفين.
مشكلة البعض مع صوره تؤكّد على وجع مَن عاداه من الأثر الذي ظنّ القاتل أن بالقتل يُزال ويندثر. لهذا، يمكن اعتبار صورته معيار القلوب النقيّة. فمن آوى قلبه إلى حضن الصورة يتيمًا متيّمًا نجا، ومن استفزته تلك الهيبة الساطعة أو دفعته إلى الجنون أقرّ بانتمائه إلى معسكر الأميركيين وأدواتهم، زعامات وصبيانًا.
للمرّة الثانية بعد الفقد نأتي إلى يوم ميلادك، تنطق بنا الغصّات التي تحيل الوجع رصاصًا يقاتل قاتليك، وتذرفنا أرواحنا من البعيد دمعات ترتجي من الله غفوة على حافة الضريح في "كرمان" المكرّمة. تطوف أعيننا بشيبتك الأبويّة، تحمل الشّمع المضاء بشعلات من نار القلوب. يؤذينا أن نرى من لم تصبه لفحة الدفء الأممي في صورك، يشقى ببرده، يُجن، يحاول انتزاع الصورة كي ينكر موته، يحاول يائسًا أن يخفي الشمس بيد خيبته الهزيلة.
وللمرّة الثانية بعد الفقد نترك ليوم ميلادك أن يلملم قلوبنا حول حكاياتك، حول الحنان بصوت العراق وهو يقول "حجّي قاسم"، وحول طريقة أهل العرفان المقاتل في اليمن بصياغة حروف "السليماني" جواهر تزيّن الخنجر المغروس في صدر العدا، حول تبسّم أهل القتال الذين عرفوك وهم يقصّون بعضًا من سرّ عبورك فيهم، حول لهجة العامليين وهم يردّدون اسمك بكلّ ما اختزنوا من حبّ، وحول صلابة أهل البقاع التي تسيل نهرًا من عشق وهم يتلون اسمك. نمضي إلى فلسطين، يا فارس قدسها، ونراك، ونعود إلى الشام يا حبيب مقام زينب بنت علي (عليهما السلام) ونراك، نمرّ بكلّ طريق مررت به، ونراك، نراك ونوقن أنْ كذبَ الغياب يا مولى الثائرين الصادقين.
اليوم وجهة القلوب "كرمان"، تأتيها الأفواج العاشقة للزيارة والتبريك، وفي كلّ يوم صورتك وسيرتك تردّ إلى القلوب الزيارة.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024