معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

الترهيب الثقافي وقلب الحقائق: كذبٌ في وضح "النهار"
10/03/2022

الترهيب الثقافي وقلب الحقائق: كذبٌ في وضح "النهار"

ليلى عماشا

"الترهيب الثقافي" يكاد يكون التوصيف الأدقّ لما قد يتعرّض له المرء في إطار محاولة عزله عن مجتمعه ومحيطه وانتزاع الشرعيّة والمشروعيّة عن حضوره في الأماكن التي يحضر فيها طبيعيًا. بذلك هو حتمًا سلاح "أميركي" يستهدف حزب الله في ميدان الثقافة الواسع ومن ضمنه الفعاليات ذات الطابع الثقافي.

المشهد الذي رأيناه منذ أيّام قليلة في معرض بيروت الدوليّ للكتاب هو مثال حيّ  وطازج عن هذا الترهيب، ولا سيّما أنّه جاء عقب تمهيد تحريضيّ لعدّة أيّام بعد أن صُدم المتأمركون بحضور بيئة المقاومة، برموزها وناسها وثقافتها، كمكوّن أساسيّ في المعرض، ولهول الصدمة نسوا أنّ هذه البيئة هي من أصل النسيج اللبناني، وأن عليهم، شاؤوا أم أبوا، أن يتعاملوا مع هذا الواقع المختلف عن أمنياتهم ومساعيهم بل والخطط التي وضعت لهم وما استطاعوا إلى تنفيذها سبيلًا. بهذه الخلفية التي لا تخلو من "الولدنة" قليلة التهذيب دخل ناشطون ثلاثة إلى المعرض، وفي محاولة يائسة منهم لممارسة "الترهيب الثقافي" بدأوا بتكسير محتويات الحيّز الخاص بدار المودّة، وبحماسة استعراضية غير مفهومة كانوا يهتفون "بيروت حرّة حرّة، إيران طلعي برّا". كأن قرّر هؤلاء سحب الهويّة اللبنانية من البيئة المقاومة، وقرّروا أيضًا طردها. تعامل الحاضرون مع مفتعلي المشهد تمامًا كما قد يجري التعامل حين يقوم أحد بدخول بيتك وتكسير محتوياته بحجّة أن ألوان الستائر عندك لا تعجبه.

المشهد حدث في وضح "النهار"، لكن لنرَ كيف نقلته "النهار":

"وإذا كانت ممارسات الاستقواء والاستعراضات الاستفزازية تمددت لدى اتباع "محور الممانعة" إلى عالم الثقافة والكتب والفكر ايضا كمثل الاعتداء الهمجي الذي حصل أمس في معرض الكتاب العربي، فعبثا الرهان على تغيير جدي في الانتخابات ما دام الترهيب سلاحا يستبيح كل المعايير والقيم".

الترهيب الثقافي وقلب الحقائق: كذبٌ في وضح "النهار"

معذورة "النهار" كصحيفة معروفة التوجهات السياسية بقلب الحقائق في حديثها عن "الاعتداء الهمجي" الذي قام به من تتشارك وإياه الخندق نفسه والتي تعمل وإياه لدى المشغّل نفسه. إلّا أنّه كان على القيّمين على تحرير الأخبار فيها أن يلتفتوا لضرورة احترام عقل القارىء، واعتماد الدفاع الذكيّ عن المعتدين بدلًا من تصويرهم كضحايا تعرّضوا للاعتداء (وهذا يخالف جهارًا ما تمّ تصويره من تهجّم هؤلاء على محتويات دار المودّة) أو اعتماد أسلوب الهجوم الذكيّ واختلاق خلفية محترمة دفعت بناشطين اثنين أو ثلاثة إلى ارتكاب ما ارتكبوه، أو على الأقل محاولة تبرير ما فعلوه بأعذار تتعلّق بمشاكل في سلوكيات هؤلاء كأفراد، أو بقصورهم الذهني الذي يمنعهم من تشخيص وفهم حدودهم كبشر ملزمين بعدم الاعتداء على الآخرين.

اختارت "النهار" استغباء القرّاء: أغفلت تفصيلًا يقول إنّ كلّ ما يُعرض في هذه الفعالية الثقافية هو انعكاس لوجود الناس في البلد، وإن كانت بيئة المقاومة بيئة منتجة في الميدان الثقافي، فعلى المتحسسين منها أن يزيدوا من انتاجاتهم وحضورهم بشكل ينافسها ولو كمًّا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا يمكن تبرير الهتاف بـ"إيران طلعي برّا" بوجود صور الحاج قاسم سليماني، شهيد محور المقاومة، بل سيّد شهداء هذا المحور، وبحجّة أنّه إيراني. أيضًا على سبيل احترام العقول، فلرمزية الشخصيّة بعد يتخطى الجنسيات، فهل يعني رفع صور الثائر تشي غيڤارا في أقسام أخرى من المعرض أن على ناشطين آخرين أن يطالبوا كوبا بالرحيل عن بيروت؟ يبدو السؤال سخيفًا. صحيح، وعلى هذا القدر من السخافة جرى المشهد الذي تحاول "النهار" تصويره كحالة ثوريّة تمّ قمعها. والأسخف أن هذه الصحيفة تعلم ويعلم الناشطون المعنيون كما نعلم وكلّ من في الدنيا، أن هذه الحركات المشبوهة تأتي بتوجيهات مباشرة من عوكر، حيث توضع الخطط والعناوين والمسارات التي ينبغي أن يسلكها "ناشطو" الـ NGO's وكذلك "النهار".

بالنهاية، ليس مطلوبًا من صحيفة لبنانية تتبنى العداء للمقاومة بشكل صريح أن تنقل خبرًا بموضوعية، ولا حتى بمصداقية. فالمنهج الأميركي ينطلق من "اكذب، اكذب، اكذب، حتى يصدّقك الآخرون"، والمبدعون في ابتلاع هذا النهج يبلغون مرحلة "اكذب حتى تصدّق نفسك". نعلم أنّ "النهار" أبدعت في قلب الحقائق، ولكن عليها، رغم ذلك، ممارسة بعض الذكاء في الكذب، عسى تحقّق المطلوب منها، بعد أن ثبت فشلها وزملائها من سائر مجالات العمل "العوكري"، في تحقيق خرق يُذكر في صخر البيئة المقاومة المنتجة للثقافة وللحضور وللنصر.

قاسم سليمانيمعرض بيروت الدولي للكتاب

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل