نقاط على الحروف
العمالة باسم حرية التعبير: خيانة مزدوجة
ليلى عماشا
على مدى سنوات، وتحت عنوان حريّة التعبير، أمكن للصهاينة أن يتسلّلوا إلى غرف الأخبار ليملوا على مذيعيها ما يقولون، وإلى مكاتب التحرير ليصيغوا الأحداث بلغتهم، وإلى المواقع الإخبارية ليسوّقوا لما يناسبهم من تحليلات.. ولتحقيق كلّ هذا كان لا بدّ لهم من تجنيد جواسيس مباشرين يتولون هذه المهام مقابل مبالغ مادية تُدفع على المقال وعلى الخبر.. وبمعية هؤلاء، حظي الصهاينة بفرصة الإستفادة من ببغاوات تردّد مجانًا ما يكتبه أو يقوله المأجورون.
هذه الصفقات والتي بدأت تتكشّف الأدلّة الملموسة عليها مع توقيف الصحفي العميل محمد شعيب لم تكن خفيّة. فقد كانت البصمة الصهيونية واضحة في كل كلمة كُتبت زورًا وفي كلّ افتراء جرى تسويقه وفي كلّ استفزاز وإساءة انطلقت من منصات الصحافة واستهدفت المقاومة وبيئتها.
مع بداية تسريب أخبار توقيف شبكات التجسس الأخيرة، تبيّن أنه كان للصهاينة دور مباشر ومؤثر في صناعة الشعارات التي تصوّب ضد المقاومة وتقوم بالتحريض عليها. وبعدما نشرت صحيفة "الأخبار" في الأيام الماضية خبر توقيف أحد الصحفيين بتهمة التعامل مع "اسرائيل"، أمكن للمتابعين استذكار الحملات التي كانت تُشنّ ضد بيئة المقاومة واعتبارها بيئة تقوم بتخوين الأخرين ولا تحتمل حريّة الآخر في التعبير عن رأيه.. واليوم بالدليل القاطع ثبت أن لا حاجة للتخوين، فالمتهمين به بناء على ما يقولون وعلى تقاطع أرائهم مع الرأي الذي ينفع الصهاينة، هم خونة فعلًا وباعترافهم.
خرج اسم محمد شعيب إلى الإعلام. توالت التسريبات وظهرت اعترافاته إلى العلن. طلب إليه مشغّله "توم" كتابة مقالات تتهم حزب الله بانفجار المرفأ، وباستهداف الدكتور حمد حسن أثناء توليه وزارة الصحة، وبتناول الموضوعات المتعلقة بمؤسسة القرض الحسن بشكل تحريضي.. تطول لائحة العناوين التي طلب إليه الكتابة فيها ونكتشف أن بعض المقالات كانت تصله جاهزة وما عليه سوى نشرها.. (وردت كلّ التفاصيل المتعلقة بملفّه في تقرير خاص عرضته قناة المنار في نشرتها المسائية أمس السبت).
كان من الواضح أنّ جميع هذه المواضيع هي صناعة صهيونية، وما أضافت اعترافات محمد شعيب إلى هذا الوضوح إلا الدليل المادي الذي ينبغي أن يجعل المتحدثين بها يخجلون قليلًا من قذارة ما يفعلون، ولكنها تشكّل مدخلًا واضحًا لمناقشة مسألة "حرية التعبير" و"حرية الاعلام" من زاوية التمييز بين الحريّة وبين الخيانة، وهذا يضع المؤسسات المعنية الأمنية والإعلامية أمام مسؤولية متابعة حركة "حرية التعبير" هذه بشكل جدّي وأكثر حرصًا على منع الصهاينة من تحقيق اختراقات سهلة في المجال الإعلامي.
حرية التعبير، ككل حرية، تتحوّل إلى فوضى قاتلة ما لم تخضع لقواعد ومعايير وأنظمة واضحة ومحدّدة. وتطبيق هذه القواعد أمر متاح فهي أقرب إلى البديهيات المنطقية وأبرزها التدقيق في مصداقية الأخبار والمقالات والخلفيات التي تُبنى عليها التحليلات الصحفية.
وهنا لا نقول بوجوب مراجعة كلّ كلمة منشورة، فالأمر شبه مستحيل ولا سيّما على منصًات التواصل، إلّا أنّه من الممكن التدقيق في نوعية الأخبار ومصادرها. يكفي أن يشعر الصحفي أنّ قانونًا سيحاسبه إذا كذب وافترى واختلق الأخبار ليفكّر قليلًا قبل أن ينشر ما يمليه عليه مشغّل صهيوني! قد لا نصل إلى مرحلة محاسبة حقيقية على الكذب فقد شهدنا تبرئة العملاء طيلة سنوات "قضائية" إلّا أنّ ذلك ليس سببًا كي نستسلم للفوضى القاتلة والقبول بحرية التعبير عما يريده "توم" كي لا نجرح مشاعر الخونة، المأجور منهم والمجاني!
بالأمس محمد شعيب، وربما في الغد أسماء "صحفية" أخرى قد تضيف إلى صفاتها الرسمية لقب "العميل".
بالأمس عميل من صحافة الصفوف الخلفية وربما في الغد أسماء تُعدّ من الصفّ الأول، عمالتها واضحة ولا ينقص لإدانتها سوى الدليل الملموس واسم المشغّل المباشر وربّما المبلغ الذي تتقاضاه عن كلّ كلمة أو حلقة.
بالأمس واليوم وكل يوم، العمالة عار لا طهر منه، سواء كانت مقابل مبالغ بأصفار كثيرة أو بمبالغ زهيدة أو مجانية.. وما يُخفى اليوم سينكشف في غدٍ ما.. هذه بديهية أيضًا.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024