معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

قمة ماكرون - بن سلمان: بيان مستنسخ من قناة "العربية"
06/12/2021

قمة ماكرون - بن سلمان: بيان مستنسخ من قناة "العربية"

ايهاب زكي

إنّ الإنصاف يقتضي أن يعترف خصوم حزب الله بأنّ استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، تعني بالقطع أنّ الحزب لا يسيطر على الدولة، وليس هو من يديرها، هذا أولاً، أمّا ثانياً فلا بد من الاعتراف أيضاً بأنّ واشنطن عبر أدوات إقليمية، تحاصر لبنان، بهدف ابتزازه وإخضاعه للرغبات والمصالح الأمريكية "الإسرائيلية"، ولكن هذا الاعتراف لن يحدث يقيناً، لأنّ الإنصاف يتطلب عدواً عاقلاً.

وخصوم الحزب في الداخل، كما أعداؤه الإقليميون، يفتقرون لأخلاق الفروسية، بل يفتقدون لأدنى مقومات العقلانية والموضوعية، إنّما تحركهم وضاعة التبعية من جانب، والحقد المركب من جانبٍ آخر، يستمرئون إمّعيتهم، وسلاسة انقيادهم تابعاً فتابعاً، ولا تعتريهم حمرة خجلٍ من تحوير الانصياع لسيادة، هذا فضلاً عن رعونةٍ موصوفةٍ، تحكم السلوك السياسي للمملكة السعودية، في ظل سطوة بن سلمان.

وهذه رعونةٌ غير أنّها بادية في كل سلوك، فقد شهد بها الكثير من المقربين والمطلعين على أروقة القصور الملكية، وكان آخرهم سعد الجابري، رجل الاستخبارات السعودي المطارد، ولا يمكن التعامل مع هذه الرعونة باعتبارها سياسة، بل مجرد أهواءٍ صبيانيةٍ غاضبة، لذا كان تجاهلها أفضل وسائل التعاطي، وليس تلبيتها.

إنّ البيان الختامي لقمة ماكرون - بن سلمان، يؤكد قناعة مسبقة بأنّ استقالة وزير الإعلام اللبناني كانت استقالة مجانية، ولم تكن هي المطلب منذ البداية بل الذريعة، وأنّ التبعية السعودية للمصالح الأمريكية، وعلى رأسها التطبيع مع كيان العدو، تتطلب حصار لبنان لنزع عناصر قوته، وتخييره بين أمعائه وبين حريته وحمايته وثروته وكرامته.

وحول التخيير، يعلق كاتبٌ لبنانيٌ في جريدة سعودية بالقول إنّ قاعدة تعامل حزب الله في لبنان تتلخص بـ"سندافع عنكم غصباً عنكم"، وهذه الجملة تستبطن معادلة بسيطة، مقابل تخلي لبنان عن قوته الخشنة، تستولي "إسرائيل" على ثروته النفطية والغازية والمائية، وسنأتيكم بالسائح السعودي، وهو بدوره سيأتيكم بالبقشيش، وننعم جميعاً بالكلأ والمرعى، والأسوأ أنّها تستبطن طارئية حزب الله وأجنبيته، باعتباره حالة غير لبنانية وطارئة على الشعب اللبناني، وكأنّ أنصار ومنتسبي ومؤيدي وحلفاء حزب الله ليسوا لبنانيين، فقط أتباع النفط وأوامر النفط وحتى نزوات النفط هم اللبنانيون حصراً.

وبالعودة إلى بيان قمة ماكرون - بن سلمان، فهو نسخة طبق الأصل عن نشرة أخبار قناة "العربية"، وكأنّ لبنان هو من دفع ثمن زيارة ماكرون التعويضية، حيث إنّه خسر صفقة الغواصات الاسترالية بطعنةٍ أمريكية، فكان أن أعطته الولايات المتحدة جائزة ترضية، عبر صفقات تجارية عسكرية ومدنية مع مشيخات النفط، وهذه المشيخات، والسعودية خصوصاً، لا ترى في فرنسا قطباً يستحق تقديم التنازلات له، وقد اعتاد المسؤولون الفرنسيون على تقبل الرشى، منذ ساركوزي - القذافي، وهولاند - بن نايف، والآن ماكرون - بن سلمان.

كما أنّ القرار السعودي محكومٌ بالأوامر الأمريكية، وهذه عادة الأنظمة والدول الوظيفية، وقرار حصار لبنان هو قرارٌ أمريكي، وما هذه الأنظمة إلّا أدوات تنفيذية، وما يميّز سلوكياتها هو إضافة الحقد والرعونة إلى مسارات التنفيذ. وأمّا زيارة ماكرون فهي مجرد ثغرة في جدار العزلة الغربية الشكلية والكاذبة على بن سلمان، بعد مقتل خاشقجي، عزلة لا مفاعيل سياسية لها سوى حرمان بن سلمان من السياحة في بلاد الغرب، والتقاط الصور مع المسؤوليين الغربيين، بينما جرائمه في اليمن تعادل مليون جريمة كجريمة قتل الخاشقجي، ولا زال السلاح يتدفق على السعودية، ولا زالت الخزائن السعودية مشرعةً أمام أيدي الغرب وجشعه.

والسؤال الذي يجب أنّ نطرحه بشدة، هل فعلاً أنّ الولايات المتحدة تعتقد أنّ أدواتها في الداخل اللبناني، قادرون على قلب المعادلات والفوز بانتخابات تشريعية، وبالتالي السيطرة على القرار اللبناني؟ لأنّ الولايات المتحدة إذا سلمنا أنّها تراهن على الانتخابات النيابية، فهو رهان الواثق بالنتائج، أو على الأقل رهان الواثق بالقدرة على التزوير.

ولكن الولايات المتحدة بعيداً عن"البروباغندا" الإعلامية، هي أكثر عقلانيةً من الرهان على أدواتها لمجرد أنّ حناجرهم وقحة، وهي تدرك أنّ الحناجر لا تعطي أوزاناً انتخابية، وهو ما حدث في الانتخابات السابقة. إذاً النتيجة القطعية أنّ الولايات المتحدة إما تراهن على قدرتها على تزوير نتائج الانتخابات، أو تراهن على افتعال ما من شأنه تأجيلها أو تعطيلها.

وأخيراً، كما علق مذيع قناة العربية بشكلٍ لا مهنيٍ فوقيٍ فجّ، في اختزال للعقلية السعودية الحاكمة، على خبر استقالة الوزير جورج قرداحي "في خبرٍ عاجلٍ غير مهم، استقالة وزير الإعلام اللبناني"، كذلك بالنسبة للبنان "في خبرٍ غير عاجلٍ وغير مهم، زيارة فرنسية للسعودية"، لأنّ ما تم التعويل عليه من الاستقالة نُسيَّ مع وضع نقطة النهاية في البيان الختامي.

محمد بن سلمان

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف