نقاط على الحروف
الحماقات المتشعبة.. هكذا يُحارَب الحزب؟
ايهاب زكي
في طفولتنا كان الكبار يطرحون علينا نوعاً من الفوازير، التي تعتمد على التلاعب بالألفاظ، أو حتى بعلامات الترقيم، ومنها مثلاً "سجين تسلّم قرار إعدامه بالصيغة التالية -إعدام، لا براءة-"، والسؤال كيف سيتلاعب السجين بهذا النص لينجو من حبل المشنقة. وهذه الفزورة على طفولتها وسذاجتها، تبدو مقارنة بالفبركات والتزوير والتلاعب التي يُتهم بها حزب الله، تبدو موازيةً لألغاز ماهية الروح تعقيداً وغموضاً.
واللافت في الأمر، ما ساقه السيد نصر الله من أمثلة، خصوصاً فيما يتعلق بالسفير السعودي، الذي أثار في لقائه مع السيد سذاجة دفع حزب الله المال -بين 5 و10 آلاف دولار- لتشييع السنّي الواحد، أي أنّ الأمر ليس مجرد هذيان على مواقع التواصل، وليس مجرد جهلاء أسعفتهم حماقاتهم، فنثروها على المواقع خيلاءً وفخراً، إنما يتم تداولها على مستوياتٍ سياسيةٍ عليا، وإن صحت قاعدة ناقل الكفر ليس بكافر، فتصح قاعدة تبنّي الحماقات حماقة.
وحين كنت أستمع لسرد السيد نصر الله لتلك الواقعة مع المسؤول السعودي، راودتني إحدى الروايات عن أبي حنيفة النعمان، حيث استأذن تلاميذه أن يمدّ رجله لألمٍ في ساقه، وحينما دخل رجلٌ تبدو عليه علامات الوقار والجلال، وتأدباً عقص أبو حنيفة رجله، وتربع في حضرة الداخل الجليل، فقال هذا الشيخ: يا أبا حنيفة أجبني إن كنت عالماً موثوقاً، متى يفطر الصائم؟ ظنّ أبو حنيفة أنّ في السؤال مكيدة، فلا يُعقل أن يسأل هذا الجليل هذا السؤال، فأجابه على حذرٍ: يفطر إذا غربت الشمس، فقال الرجل بكل جدٍ وحزم: وإذا لم تغرب شمس ذاك اليوم، فمتى يفطر؟ فقال أبو حنيفة بعدما تبينت حماقة الرجل المختبئة خلف ستار وقاره: آن لأبي حنيفة أن يمد رجله، بمعنى أنّ الحماقة لا تستحق رداً، فضلاً عن أن تستحق الاحترام والتبجيل. ومن اختبأ بالعباءة الدبلوماسية السعودية، ليسأل السيد نصر الله عن مال التشييع، يجعلنا جميعاً في أوان مدّ الأرجل بحضوره، بغض النظر عن الحالة الصحية.
وهذا المختبئ بالعباءة الدبلوماسية السعودية، لا يختلف كثيراً عن المختبئ بالبزة العسكرية "الإسرائيلية"، فالحماقات واحدة وإن تغيّر الدِثار، وهو الناطق باسم الجيش "الإسرائيلي"، حين سرد رواية تعاون ضابط سوري مع مسؤول ميداني في حزب الله، وقد ذكرهما بالاسم، مع تفاصيل شخصية عن الضابط السوري برتبته ومقر سكناه ومسؤولياته، وأنّ هذا التعاون فيه خطر على أمن "إسرائيل"، وأنّه يتم في منطقة فض الاشتباك عام 74، ويتم استغلال الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه السكان المحليون، فيجبرانهم على التعاون. وختم الناطق روايته بالقول "إننا نراقب كل من يحاول الإضرار بأمننا، ويتحمل النظام السوري المسؤولية عن النشاطات التي تُدار على أراضيه وتضر بأمننا". وهذه حماقات لا تعني سوى الإفلاس، إذ إنّه على مدار عشر سنواتٍ من الحرب على سوريا، كنتم تصرخون من وجود حزب الله وتدخله في الحرب السورية، وهذا الوجود والتدخل لا يتم وما تمّ إلّا بتعاونٍ ميداني عسكري على طول الجبهات، وعلى كل الجغرافيا السورية، فضلاً عن التعاون السياسي والإعلامي وكل أشكال التعاون والتنسيق على كل المستويات، فما هي الحماقة المرجوّة من ابتكار حماقة تعاون ضابط سوري مع قائد ميداني من حزب الله؟ إنّ الحماقات تعاظمت، حيث لم يعد كافياً أن نمدّ لها الأرجل فقط.
وحماقة النصب التذكاري لجلاء المحتل الإيراني عن لبنان، هذه حماقة من النوع الذي يجعل الكوميديا رخيصة حدّ الابتذال، فكيف بالسياسة؟
هذه الحماقات التي تبدو متشعبة، تتوالد من رحمٍ واحدة، هي رحم العداء الأمريكي الصهيوني لحزب الله، ولكل من يتخذ من مقاومة العدوان سبيلاً، وهذا العداء انسحب على بيئة كاملة، يُراد تنميطها، والأنكى يُراد عزل المقاومة وتصنيفها على أسسٍ مذهبية تفريقية، لا أسسٍ عربيةٍ أو إسلاميةٍ جامعة، ويُراد كذلك شيطنتها رغم إنسانية منطلقاتها وسلوكياتها، مقابل أنسنة العدو الصهيوني رغم شيطانية منطلقاته وعدوانية سلوكياته.
ومن هنا يأتي الإصرار على إصدار التصنيفات على لوائح الإرهاب، رغم أنّها في غالبها بلا مفعول سياسي أو عسكري على الإطلاق، في الحدّ من قوة المقاومة وتطورها، هي فقط في إطار "بروباغندا" الشيطنة، وكأنّه استهداف للمقاومة بالإفلاس، والحقيقة أنّ استهداف المقاومة بهذه التصنيفات أو الفبركات المفلسة على حدٍ سواء، يزيد بيئة المقاومة التصاقاً وتمسكاً بها وليس العكس، حيث إنّ هذه البيئة ليست غرائزية النزعة أو بدائية السلوك، إنّما تتصرف بناءً على تجربتين، الأولى هي تجربة العيش في ظل احتلال العدو الصهيوني أو إهمال الدولة أو كلاهما، والتجربة الثانية هي العيش في ظل التحرير وحماية المقاومة، فالأمر ليس تعصبًا أو تكتلًا مذهبيًا، إنما قرارٌ عن سبق اطلاعٍ وعلمٍ واستشراف، والناس في هذه البيئة لا يستبطنون التوسع والتسلط والسيطرة، إنّما حماية لبنان الجميع، لذلك يبدو مستحيلاً انفضاض جمعهم حول المقاومة، وهذا ما جعلهم في عين الاستهداف، وصمودهم وصبرهم، هو ما جعل الإفلاس ديدن كل ما يحاول اجتراح وسائل استهدافهم.
هناك طريقتان فقط لانفضاض هذه الجموع من حول المقاومة، وهذا من باب ما يُصطلح على تسميته "النصيحة" للولايات المتحدة ومن يتبعونها ذلاً أو طمعاً، الأولى هي قتلهم جميعاً، من الأجنة حتى الكهول والشيوخ، رجالاً ونساءً، دون ترك أي أثرٍ ماديٍ أو معنويٍ يدل على وجودهم، أو أنهم كانوا هنا يوماً، لأنّ هذا الأثر سيكون البذرة التي سينبتون منها وأشباههم مرةً أخرى، أما الثانية فهي زوال "إسرائيل"، وهذا الزوال ليس فقط حلاً لأزمات لبنان، بل هو الحل لكل الأزمات والكوارث في كل المنطقة، وقد يكون حلاً لجزءٍ كبير من مشاكل العالم والأمم.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024