نقاط على الحروف
سماح ادريس رأس حربة المقاطعة.. يطوي آخر معاركه
ليلى عماشا
لم تطل رحلة صراع سماح ادريس مع المرض، بعكس صراعاته التي خاضها طيلة حياته دفاعًا عن القضايا التي آمن بها، والتي لم تحد يومًا عن الدرب إلى فلسطين.
رحل اليوم سماح، النشيط الذي عرفته ميادين الثقافة والأدب وحملات مقاطعة "داعمي اسرائيل"، الملتزم دائمًا بوصلته المشيرة إلى حيث رائحة البيّارات وذاكرة الدّور التي بقيت هناك يوم هاجر أهلها ولم تزل، ولو ركامًا، والآتي دومًا من باب "الآداب" ليجول في العالم الممتلىء بالمظلومين ويسعى بينهم ومعهم لأجل شقّ الطرق التي تصل بهم وبه إلى عالم أقلّ ظلمًا.
احتلت كلمات النعي مساحة الصفحات وحسابات الناشطين الإلكترونيين الذين عرفوه مباشرة أو عبر مجلّة الآداب، والذين أوجعهم استعجاله الرحيل بُعيد إصابته المفاجئة بالسرطان، بل احتلّ قلوبهم وجهه الباسم، وشيبته الناطقة بألف حكاية وحكاية كانت فلسطين لغتها ولهجتها وبداياتها والخواتم.
صادق سماح ادريس المخيّمات. كانت بالنسبة له مكانًا حقيقيًا حافلًا بالدفء الذي لا يمكن لروح كروحه إلّا أن تستضيء به كي تصل إلى حيث نواة القضية وكي تحيا في داخل الدار الذي يحوي فلسطين ما دامت الحدود تقف حاجزًا بين الجسد والمكان.
عاش بين أهل فلسطين، بين أطفال وُلدوا بعيدًا عن ترابهم وحملوه في روحهم. هذا التراب يعرفه سماح جيّدًا، وفيه زرع لغته وثقافته كي ينبت في كل موسم زهرًا جديدًا، وبعض الزهر حكايا ترسم الطريق.
بالنسبة له لم تكن مقولته "إذا تخلّينا عن فلسطين تخلّينا عن أنفسنا" شعارًا يطلقه كي ينال تصفيقًا أو ثناءً، هو الذي احتقر دومًا الساعين إلى رضا لجان الجوائز الأدبية والثقافية واعتبر أن الجائزة الأجمل كانت بأن يضع خطّا ثقافيًا يكون وجهة الأدباء والمثقفين الذين لن يتخلوا عن أنفسهم كما لم يتخلّ هو عن نفسه، عن فلسطين، بل كانت تلك العبارة - الشعار، اختصارًا لكلّ ما آمن به سماح، وانعكاسًا حقيقيًا لنمط حياته وتفكيره، النمط الذي يتبع القيم العليا ويصلها ويجتهد في صياغتها باللغة الأدقّ والأجمل، "أيّ جيلٍ ننشئ في لبنان إذا ابتعدنا عن قيم البطولة والشـهادة والفداء؟".
رحل اليوم إذًا رأس حربة المقاطعة التي ما زال مثقفو الهزيمة وصائدو جوائز التطبيع ينظرّون لعدم جدواها، وحبيب قلوب قراء النقاء الأدبي والباحثين في الكلمات عن رائحة الوطن، وصديق المقهورين الذين لم يتخلوا عن أنفسهم وحملوا فلسطينهم جمرة يقبضون عليها مهما تألّموا. رحل محمّلًا بغصّات من عرفوه وجهًا واسمًا ودارًا وذاكرة، بدمعات جيل استخلص من سطوره قيمًا عالية، رحل محاطًا بالحبّ الذي وحدهم مظلومو الأرض يجيدون سكبه في وداع من أحبّهم وأحبّوه وفي رثاء من عرفهم وعرفوه.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024