نقاط على الحروف
هستيريا "المشروع الإيراني" في المنطقة العربية
ايهاب زكي
هل لاحظ أحدٌ إعلامياً أو سياسياً سعودياً، هاجم دولته من الأراضي السعودية، حين باشرت بالعدوان على اليمن؟ أو هلّ سمع أحدٌ بإعلاميٍ فضلاً عن سياسيٍ سعودي، انتقد قرارات دولته واتهمها بالرعونة، إبّان افتعال الأزمة مع قطر؟ على العكس تماماً، فقد وجدنا كل الإعلاميين السعوديين العاملين في قطر، ومنها قناة "الجزيرة"، تقدموا باستقالاتهم، حتى أولئك العاملون بالإعلام الرياضي، استقالوا وعادوا إلى بلدهم. واللافت أنّ هؤلاء الإعلاميين الذين كانوا نجوماً في قطر والعالم العربي، على مدار الأزمة، لم يسمع بهم أحد، وكأنّهم قطرات ماء تبخرت، فكما لم يعارضوا قرارت دولتهم، لم يطبلوا لها.
وحين برروا استقالاتهم، بدا أنّهم غير مقتنعين بسياسة دولتهم، لكنهم التزموها خوفاً أو طمعاً، وقالوا نحن مع ما تقرره بلادنا. واللبنانيون الذين يهاجمون بلادهم اليوم، هم أول من يثني على وطنية هؤلاء الإعلاميين السعوديين، لأنّهم وقفوا مع بلادهم ظالمة أو مظلومة، بينما هم يهاجمون وطنهم وهو ضحية العنجهية السعودية، ويهاجمون بلادهم وهي مظلومة تحت سياط التسلط السعودي. هؤلاء كل شيء لديهم غالٍ إلا بلدهم، أرخص من كل شيء وأبخس من أي شيء، أرخص من مصالح شخصية آنية، وأبخس من نزوةٍ سعودية، وأقل شأناً من رغبة أمريكية، والوطن بالنسبة لهم هو السلعة التي يدللون عليها، ويعتاشون من السمسرة فيها.
رغم أنّه لا يوجد أيّ منطق على الإطلاق في أيّ سلوكٍ سعودي، أكان سلوكاً سياسياً أم عسكرياً، إلّا أنّه لا يجرؤ أيّ شخصٍ مهما كانت صفته على نقده، حتى الذين يهاجمون أوطانهم، يرون الاعتداءات السعودية على بلادهم حقا مطلقا، ويهاجمون كل مواطنيهم الذين يحاولون الردّ على التغول السعودي، ويهاجمونهم حد تجريدهم من وطنيتهم بل وحتى جنسيتهم، فيتهمونهم بأنّهم جالية إيرانية، وشيئاً فشيئاً أصبحت حتى فلسطين حكرا على إيران، فهذه القضية التي ظلّ العرب يعتبرونها قضيتهم المركزية، نرى اليوم حجم التجني الذي يمارسه هؤلاء، وصار النضال من أجلها كما يرونه مشروعاً إيرانياً.
الفلسطيني الذي اُحتُلت أرضه فيقاوم، ينفذ مشروعاً إيرانياً، واللبناني الذي حرر أرضه ولا زال يحميها من العدوان "الإسرائيلي" ينفذ المشروعٍ الإيراني، والسوري الذي دافع عن أرضه ومصيره، وحمى بلاده من التقسيم، إنما فعل ذلك لأهدافٍ ومشاريع إيرانية، واليمني الذي يصدّ عدواناً همجياً غير أخلاقي، ما هو إلا مشروع إيراني. ولكن بعيداً عن السفسطة الإعلامية عن الرغبات الإيرانية بالتدمير، وشهوة القتل ونزوات احتلال العواصم العربية، لم يقلّ لنا أحدٌ من هؤلاء، ما هو المشروع الإيراني؟ بينما السؤال المُلح، لماذا لا تصطدم إيران أثناء تنفيذ مشروعها إلّا بـ"إسرائيل" والولايات المتحدة؟
وهؤلاء لم نسمع أحدهم يتحدث عن مشروع "إسرائيلي"، إلّا في إطار التسامح والتنمية والسلام، ولا مشروع أمريكي، إلّا في إطار الديمقراطية والمساعدات الاقتصادية، وكأنّها جمعيات خيرية، وليست دولاً احتلالية استعمارية. هنا نستطيع الاستنتاج أنّ مقصدهم بالمشروع الإيراني، هو المشروع المضاد للاستسلام، وأنّ الدعم الإيراني لكل من يقاوم المشاريع الاستيطانية والاستعمارية، هو المشروع الإيراني المنبوذ المانع لتسريع استسلام الجميع.
من أقوال الرئيس جمال عبد الناصر "يجب ألّا يغيب عن بالنا أنّ هدف "إسرائيل" كان وسيبقى وسيستمر إجبارنا على اعتبار القضية مصرية - إسرائيلية، وليست عربية - إسرائيلية". ولا زالت هذه هي العقلية الحاكمة لدى العدو، تريدها الآن قضيةً إيرانية - إسرائيلية، حتى سوريا الجمهورية العربية، وهي طرفٌ أصيلٌ في الصراع منذ قيام الكيان على أرض فلسطين المحتلة، تحاول "إسرائيل" تجنيبها ذلك، من خلال سياسة الغارات الوقحة، بأنّها لا تستهدف الجيش السوري والدولة السورية، بل إيران في سوريا، بما يوحي أنّه لا مشكلة لـ"إسرائيل" مع سوريا أو أي طرفٍ عربي، رغم أنّه ما تم العدوان على سوريا إلّا لمصالح "إسرائيلية".
ودول التطبيع اليوم تسير في هذا المسار، وتنفث السموم من خلال إعلامها وإعلامييها وفضائها المفتوح، بأننا كعرب لا مشكلة لنا مع "إسرائيل"، بل هي قضية إيرانية، وهو تفريغ للصراع من حقيقته، وتجنٍ على التاريخ وافتئات على المستقبل. وهستيريا إيران في العقل النفطي -إن وجد- هدفها حماية "إسرائيل" من العقل الجمعي العربي بالعداء لها، هكذا هي الأمور على بساطتها دون تعقيد.
ولكن مشكلة هذه السياسة أنّها آنية، وهي كالفقاعات التي مجرد اصطدامها بصلابة الحقيقة تتبخر، ومجرد عمليةٍ فدائية، كعملية الشهيد فادي أبو شخيدم، تنسف الكثير من تلك التراكمات البائسة، التي عملوا على ترسيخها لأشهرٍ وسنوات، وتعيد العقل الجمعي سيرته الأولى، ويتيقن من بوصلة عدائه.، لذلك على هؤلاء المنخرطين في شتم بلادهم لنيل رضى "إسرائيل" وأقزامها أينما وجدوا، عليهم أن يعرفوا أنّ المركب "الإسرائيلي" يغرق، ومهما أوتي النفط من صراخٍ ونواحٍ وأدوات تجميلٍ، فلن يرتق له ثقباً.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024