نقاط على الحروف
الأمعاء الخاوية: معركة صبر ومقاومة
زهراء جوني
يدفع الإحساس بالظلم والمهانة إلى البحث عن كل الوسائل الممكنة للرفض والمقاومة. في فلسطين يخرج الشعب كل يوم بشكل جديد من أشكال المواجهة، للتأكيد على حقه بالحياة والأرض والحرية.
في الميدان، قاوم الفلسطينيون بالحجر والنار والدهس وأبدعوا في مفاجأة العدو الإسرائيلي وقدرتهم على التحمل والصبر والابتكار. وخلف القضبان، كان للمقاومة شكل آخر لا طعم له سوى الجوع، حين قرر 1600 أسير فلسطيني بدء معركة الأمعاء الخاوية عام 2012 بإعلانهم الإضراب عن الطعام رفضاً للسياسات التعسّفية بحقهم وحتى تحقيق جميع مطالبهم. لم يستسلم واحد منهم للجوع، وعلى الرغم من الظروف الصحية القاسية التي مرّ بها عدد كبير من الأسرى المضربين عن الطعام طيلة هذه السنوات، كانت النتيجة واحدة، الانتصار.
هكذا خرج الشيخ خضر عدنان وماهر الأخرس وثائر حلاحلة وبلال ذياب والغضنفر أبو عطوان وأسماء كثيرة للأسرى الأبطال، خرجوا ببطون خاوية إلا من الكرامة والعزيمة والإصرار، منتزعين مطالبهم من قلب الاحتلال.
كل الأسماء الماضية كانت سبباً لاستمرار معارك الإضراب عن الطعام، وشكلت دفعاً للأسرى داخل السجون لرفض الظلم والقمع والإجراءات التعسفية والاعتقال الإداري، فخاض عدد من أسرى حركة الجهاد الإسلامي خلال الفترة الماضية معركة الأمعاء الخاوية بسبب التنكيل الذي جرى بحقهم بعد عملية التحرر من سجن جلبوع، العملية الأكثر إبداعاً والتي شكلت مقتلاً للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، ودفعت العدو إلى صبّ غضبه وحقده على عدد من أسرى الجهاد، فقاوموا من خلف القضبان وانتصروا في إضرابهم عن الطعام.
واليوم يستكمل ستة من الأسرى الفلسطينيين خوض معركة مشابهة، تجاوز بعضهم المئة يوم، تحولت فيها وجوههم إلى مجموعة عظام مركبة خالية من اللحم، وغدت أجسادهم نحيلة لا تقوى على الحياة، لكنهم مصرون على خوض حربهم بعدد الأنفاس المتبقية بين أضلاعهم. مقداد القواسمي، كايد الفسفوس، علاء الأعرج، هشام أبو حوش، شادي أبو عكر، لؤي الأشقر، وعياد الحريمي. أضيفوا هذه الأسماء إلى التاريخ. في فلسطين بطون أنجبت رجالاً لا تعرف الاستسلام ولا الهزيمة.
وعلى الرغم من أنهم كمن سبقهم من الأسرى في خوض إضرابات عن الطعام يعلمون خطورة هذه الخطوة وأنها قد تكون الاخيرة وقد تؤدي الى فقدان حياتهم في أي لحظة، لكن الأهم بالنسبة لهم هو الهدف: تسجيل انتصار على الاحتلال.
"لم يبقَ بمقداد إلا العظام، لا حركة ولا كلام، وزنه اليوم أقل من 40 كيلوغراما، بعد أن كان قبل شروعه بالإضراب 78 كيلوغراما". تختصر عبارة أم مقداد القواسمي حال الأسرى المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال. أم مقداد، ككل أمهات فلسطين، عند أي استحقاق، تدخل على ولدها فتزرع في روحه العزيمة وتدفعه إلى الاستمرار حتى النفس الأخير، فلا استسلام أمام هذا الاحتلال ولا هوان.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024