معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

لبنان وغياب الاستراتيجية الشاملة للإصلاح الإداري
02/03/2019

لبنان وغياب الاستراتيجية الشاملة للإصلاح الإداري

محمد علي جعفر

تسعى الدول من خلال عمليات الإصلاح الإداري، لاعتماد الأساليب الجديدة في آليات عمل مؤسساتها الحكومية لرفع مستوى القطاع العام في تقديم الخدمات إلى المواطنين بشكل يتلاءم مع حاجاتهم. كما تهدف عادة عملية الإصلاح الإداري الى ضبط الإنفاق الحكومي وتعزيز الفعالية. فيما يخص مستوى خدمات القطاع العام، يعيش لبنان حالة من الترهُّل في مستوى الخدمات الحكومية، انعكس ذلك على قدرة الدولة في تقديم الخدمات بما يتلاءم مع حاجة المواطن اللبناني، وبالتالي يعاني لبنان من الفشل في ترجمة المفهوم العملي الجديد للعلاقة بين القطاع العام والمواطن.

المشكلة الكبيرة فيما يخص واقع الإدارة العامة في لبنان تعود لعدة أسباب هي في أغلبها بنيوية. منذ عام 1993 بدأت الدولة اللبنانية بالتفكير بمواكبة التوجه الذي تقوم به الحكومات في العالم والهادف لتطوير وإصلاح القطاع العام. خُططٌ عديدة وُضعت لخوض التجربة، لكنها بقيت حبراً على ورق. أسباب بنيوية حالت وما تزال أمام تحقيق أيٍ خطوة لخوض تجربة إصلاح الإدارة العامة في لبنان.
من خلال مقاربة التجربة يبدو واضحاً أن أغلب الإصلاحات الإدارية التي تبنتها الدولة اللبنانية خلال العهود الماضية كانت آنية ومؤقتة.
قد يختلف المراقبون في قراءة ومقاربة الأسباب لكن وضع الحرب وعدم الاستقرار الذي عاشته الدولة اللبنانية منذ الحرب الأهلية (عام 1975) وحتى العام  2017، كان السبب الأساسي في عدم القدرة على خوض تجربة الإصلاح الإداري. تغلبت السياسة على الإدارة كأولوية للدولة، فكان صراع الوجود في ظل صراعات المنطقة، أكبر من الهموم الاجتماعية والاقتصادية التي تخصّ المواطن اللبناني. لكن ذلك لم يمنع حيتان الفساد من استغلال الظروف، فقد شكَّل غياب الإصلاح وأولويته دافعاً لدى البعض، لتأسيس واقعٍ من الفساد والذي بات جزءاً أساسياً وطبيعياً من عالم السياسة في لبنان، ليُصبح الفساد هو السمة في الحياة السياسية اللبنانية. وقد ساهمت السنوات ولمدة تزيد عن العقدين من الزمن، في خلق واقعٍ مترهلٍ للإدارة العامة في لبنان.

اليوم، ومع تراجع الحرب في سوريا وتبدل المعادلات الإقليمية، بات لبنان قادراً بشكل أكبر على التوجه الى أولويات بناء الدولة، وليُسجِّل التاريخ شيئاً حول الغيارى على لبنان الوطن، فهي ليست صدفة أن يكون الطرف اللبناني الذي تولى خلال الفترة الماضية مسؤولية الدفاع عن لبنان في وجه التحديات، أن يكون نفسه اليوم - وبعد تبدل معادلات الصراع - منادياً بالنهوض ومكافحة الفساد.

لكن الحلول للأزمات اللبنانية الخاصة بالإدارة العامة، لا يجب أن تكون ظرفية. الطروحات ما تزال متواضعة رغم أهميتها، لكنها تطال النتائج ولا تعالج الأسباب، حيث إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب إنشاء نظام إداري حديث يُساهم في صناعة التحوُّل الإداري عبر تنفيذ عملية إصلاح وتنمية مستمرة على المستويات الإدارية كافة. عدة أمور تغيب عن الإدارة العامة، يجب أن تُعطى الأولوية:

أولاً: وضع السياسات والأهداف التي تتلاءم مع أسس بناء التحول في واقع الدولة اللبنانية مع ما يتناسب مع أصول التخطيط المعرفي.

ثانياً: إعادة هيكلة قطاعات الدولة الأساسية وهو يحتاج الى تحديث التشريعات والقوانين الخاصة بعمل المؤسسات العامة كخطوة أولى وأساسية.

ثالثاً: تفعيل دور الرقابة والمساءلة ضمن الإدارات العامة، ما يعني تعزيز دور القضاء، بما يخدم  تحقيق مبادئ الحوكمة الرشيدة.

رابعاً: وضع خطط تدريب شاملة لمؤسسات الدولة وبالتالي تحديد المسار الوظيفي في مختلف الإدارات العامة الحكومية.

إن واقع الإدارة العامة في لبنان يحتاج لعملية إصلاح بنيوية تطال الواقع وليس فقط تعالج النتائج. وغياب الرؤية لمشروع إدارة الدولة، سيفتح الباب على سجالاتٍ قد يتحكم بها الإعلام وقد تأتي بنتائج عكسية. يحتاج لبنان الى رؤية شاملة، تؤسس لعملية النهوض والإصلاح، مما يُساهم في نقل المُجتمع اللبناني من واقعه الحالي إلى الواقع الذي تتكامل فيه جهود المواطن والقطاع الخاص مع جهود الدولة والقطاع العام.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف