نقاط على الحروف
"النهار" تغطّي زيارة الوزير عبد اللهيان بالأضاليل العوكرية المنشأ.. والشرف المهني يستغيث!
ليلى عماشا
اعتادت جريدة "النهار" على تغطية زيارات وزراء خارجية أولياء أمرها الدوليين بكثير من الترحاب ذو الطابع التطبيلي، فكانت تمعن في تصوير تلك الزيارات التي أمعنت في انتهاك لبنان الدولة والناس وكأنّها الشكل الطبيعي للعلاقات بين الدول، فلم تر ضيرًا من وزير خارجية أميركي يأتي ليملي على اللبنانيين ما يجب عليهم فعله، أو وزير خارجية سعودي يأتي ليطمئن على حسن سير وسلوك موظفيه في لبنان، وفي الجريدة. لذلك، كان طبيعيًا أن تحمل تغطية "النهار" لزيارة وزير خارجية الجمهورية الإسلامية في إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان الكثير من السمّ، وبلغة الشارع، "السمسمة"، فالصحيفة غير معتادة على رؤية الشكل الطبيعي لزيارات ممثّلي الدول والذي له بروتوكولاته الخاصة ومسار واضح مرعيّ الإجراء.
بشكل أو بآخر، ربما لم يرق لجريدة "النهار" أن يقوم وزير خارجية دولة عظمى باحترام سيادة البلد الذي يزوره، وبإظهاره كلّ مساعي دولته للوقوف إلى جانب لبنان في وجه الحصار الذي يعاني من مفاعيله غالبية اللبنانيين، حتى أولئك الذين لا يرون حصارًا ولا مَن يحاصرون، وكذلك أزعج كُتّاب "النهار" طبعًا الاحترام الذي أبداه الوزير عبد اللهيان للبروتوكول الذي يقتضي أن يقوم بزيارة الرؤساء الثلاثة، ظنًّا منهم أن الشكل الطبيعي لزيارات وزير الخارجية يقوم على تجاهل الرئاسات والممثلين الرسميين للبلد، وأن يجول على رؤساء الجمعيات والمنظمات "المدنية" أو على زعماء الزواريب التي تسعى إلى أمركة لبنان.
قد يكون من الطبيعي، ومن الصحيّ بمكان ما، أن تتنوّع الأراء حول الحدث الواحد، بشرط أن تُبنى هذه الأراء على الحقائق والوقائع وليس على التمنيّات والتخيّلات. فالخبر أو الرأي على غير الواقع يُسمى في أدبيات الصحافة اختلاقًا وتضليلًا للحقائق. وللأمانة، تجدر الإشارة إلى أنّ غالبية كتّاب "النهار" أبدعوا ولا سيّما في الفترة الأخيرة في فنّ التحليلات المبينة على المتخيّلات، وفي الأخبار المرتكزة على الأمنيات، وتحديدًا على قاعدة "ما يتمناه العوكريون".. من هنا، ليس غريبًا أن يصوّر مجد بو مجاهد، الكاتب في "النهار"، زيارة الوزير عبد اللهيان إلى لبنان بأنها جاءت على وقع "تنديد اتخذ شكل مظاهرة" (للتذكير: المظاهرة التي يتحدث عنها بو مجاهد كانت عبارة عن تجمع بضعة أشخاص يدعون لإخراج إيران من لبنان).. وتناسى الكاتب وجوب أن يجيد الصحافي التمييز بين التجمع ذو الطابع الفردي والتظاهر العام، كما سقط منه سهوًا مراجعة مواضع استخدام عبارة "على وقع" والتي لا محل لها في المعاني إذا اقترنت بفعل لا وقع له!
تصرّ الصحيفة التي جرى الحديث عن امتلاك وزير الخارجية السعودي أسهمًا فيها على وضع زيارة الوزير عبد اللهيان في لبنان في خانة "الإستعراض السياسي"، متجاهلة الحقيقة الساطعة التي تقول أن هذا الوزير جاء إلى لبنان لعرض كلّ ما تبدي دولته العظمى استعدادها لفعله من أجل انتشال لبنان من حضيض الأزمة، وأنّه من الطبيعي أن يعبّر عن سياسات وتوجهات بلاده، وذلك من بديهيات دور ومهمة وزير الخارجية في أي دولة. وتعجز النهار، كما زميلاتها في الإعلام العوكري، عن تقبّل هذه الحقيقة وعن التعاطي مع البديهيات بعيدًا عن نقلها وكأنها استعراضات. ويعدّ هذا العجز مفهومًا فإنّ مجرّد الإقرار بها يعني أن جهودهم، أي جهود كلّ الجبهة الإعلامية الأميركية السعودية، المدفوعة سلفًا، ذهبت أدراج الرياح، وأن ما تمّ تمويلهم لأجل تسويقه من تحريض على إيران وعلى دورها في المنطقة قد ذهب سدى بمواجهة حقيقة واحدة تقول بأن إيران الدولة السيّدة تحترم، بل وتحمي سيادة لبنان عبر سعيها إلى تحرير سيادته من الإنتهاكات ولا سيّما الإقتصادية منها.. ولذلك لا تمتلك "النهار"، ولا غيرها من المؤسسات الإعلامية الخاضعة لتعليمات شيّا، حق نقل الوقائع كما هي ولو على حساب الحد الأدنى من المصداقية تجاه الجمهور. وهنا، يسقط هؤلاء عنهم رداء شرف المهنة بعد أن تحوّلوا بإرادتهم المستثمَرة والمؤجرة وحتى المباعة، إلى أدوات تنطق بالتخيلات وتكتبها في نصوص صحفية الشكل، خيالية المنحى وعديمة التأثير.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024