نقاط على الحروف
خريف أمريكا في لبنان
ياسر رحال
"ليست المنازلة الأولى ولن تكون الأخيرة".. ربما تكون العبارة الأدق لتعريف الحال في المواجهة الأميركية مع المستضعفين في لبنان. وعبارة المستضعفين هي للدلالة على حالة القهر التي كان يمارسها النظام الطائفي على كل من عارض هواه، أو لم ينتسب إليه أو والاه في تلك الأيام.
وللحديث عن العنوان يكفي أن نتذكر ماذا حل بالقوات الأطلسية يوم قررت فرض انتداب جديد على لبنان عبر القوة العسكرية دعماً للنظام الحاكم، وتعزيزًا للقدرة الصهيونية ومحاولة فرض سيطرتها على البلد عبر العملاء والحلفاء والأصدقاء، وضعْ من التوصيفات ما شئت بين قوسين، لكنها كلها في النهاية تصب في خدمة "الغريب".
اليوم وفي مسار الصراع في "الشيطان الأكبر" تتكشف وسائط ووسائل جديدة في المنازلة الجديدة، لا سيما عندما نتذكر كيف كان الأميركي يحاول فرض شروط الكيان الصهيوني عبر اتفاقية العار في 17 أيار، ونتذكر معها سلسلة التفجيرات التي طاولت المدنيين اللبنانيين في المناطق المنقسمة بسبب الحقد الطائفي بين شرقية وغربية، وصولاً إلى عاصمة الشمال الفيحاء التي طاولها الغدر برجالاتها من سمير الشيخ وأبو عرب ود.عصمت مراد، وتكرر مع رئيس وزراء لبنان المرحوم رشيد كرامي وإن بصلافة أكثر بعد تهديد زعيم ميليشيا القوات اللبنانية سمير جعجع لكرامي علناً.
ونتابع السرد من الذاكرة بقدر موسوعات، لكن كي لا نطيل نعبر على لعبة الدولار عبر أمين الجميل وصفقاتها المشبوهة وأزمة بنك "أنترا" وليس انتهاءً بالمواد المشعة في صفقة تاريخية بين العدوين في السياسة والحليفين في المصالح عبد الحليم خدام و"القوات اللبنانية" والتي دفنت في كسارات شننعير التي أودت بحياة الخبير بيار ماليشيف والذي كان أول من فضح هذه الصفقة بالأدلة حتى بروحه التي ارتقت جراء تعرضه للإشعاعات.
أخيراً.. جاء الحصار المباشر عبر الدولار مجدداً، لكن العميل هذه المرة كان على قدر من المسؤولية فأخفى منذ العام 2016 صفحة من تقرير للبنك الدولي ينذر بالكارثة التي حلت بلبنان، واستمر في سياسة الغي والكي فأهدر أموال المودعين تحت حجة تسليف الدولة وحول البلد إلى لعبة بيد أمريكا، معتقداً أن الادارة الأميركية تستطيع ان تقطع عنها النفس حين تريد في حين غفلة من الدهر.
ما لم يحسب له كل هؤلاء حساباً هو أن في لبنان قوة ربما غفل الأمريكي وجماعته مقدار عزة النفس والإباء للضيم الذي تتمع به، في رد من السيد جازماً، حاسماً، جامعاً، قاطعاً... لن نُحاصر ولن نجوع وسنرد الصاع صاعين.
اليوم نتذكر استشهاديي عمليات المواجهة الأولى في المنازلة مع القوات الأطلسية، والتي علمت العالم أن جسدا واحدا يتشظى فيرفع عن كاهل الأمة وجع السنين من الاستعباد والإكراه والاستضعاف.
واليوم نتذكر مجازر أمريكا والسعودية في لبنان، وتسعيرهما للفتن الطائفية والمذهبية رغم محاولة ابن سلمان وفريقه الظهور بمظهر الانفتاح الديني، والتسامح الذي كان أبرز مثال عليه سابقاً مجزرة بئر العبد الممولة سعودياً والمنفذة بأدوات لبنانية ولاحقاً تقطيع جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا.
اليوم نتذكر أن البذرة التي غرست كرامة، أثمرت عزة وشرفًا وناقلات نفط تعبر مياه العالم محروسة بمن أعلنها أرضًا لبنانية، وهي يعني ما يقول في سبيل الدفاع عنها وصولاً إلى الشعب الأبي والكريم والمعطاء لتخرجه من الظلمات إلى النور.
هي منازلة معروفة ومحسومة النتيجة سلفاً، الهزيمة فيها للأمريكي وأذنابه مهما تجبروا، النتائج مرهونة بالمقدمات والمقدمات مبنية على أسس من قوة واقتدار وعزة وكرامة واستقلال حقيقي.
هو خريف أمريكا في لبنان.. والمحروقات لن تكون شرارته الملتهبة.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024