نقاط على الحروف
الخطة "ب" ضد ايران والانتحار الاسرائيلي
ايهاب زكي
في أيام تدفق الزوّار الى مقام الإمام الحسين(ع) في كربلاء، من المفيد استحضار أحداث هذا التاريخ قبل ما يزيد عن ستين عاماً، أي عام 1956، حين تحولت المواكب الحسينية إلى مواكب تأييد للرئيس جمال عبد الناصر وتأميم قناة السويس، ومواكب تنديد بحكومة نوري السعيد ومواقفها، كما يذكر الدكتور عبد الله فوزي الجنابي في كتابه "ثورة يوليو والمشرق العربي". ويورد الجنابي أنّه تم فتح باب التطوع أيضاً للقتال، وقد تكون تلك من المرات الأولى التي تتضمن مناسبة ذات طابعٍ ديني إشهار مواقف سياسية.
وبالقياس نسترجع ما حدث من مظاهرات تأييد ودعم وتضامن في الجامع الأزهر، إبّان العدوان الإسرائيلي على لبنان في عدوان تموز عام 2006، ولكن تلك الحركة عام 56 كانت تراكِم ثورة، حيث أُطيح بالحكم الملكي وحكومة نوري السعيد عام 58، بينما في العام 2006 كان أشبه بإنذارٍ للعقل الاستعماري، أدّى لافتعال ما يسمى بالربيع العربي أو امتطائه.
شيءٌ واحد اختلف منذ تلك الحقبة، وكان أحد أبرز المؤثرات على اختلاف النتائج، وهو التغوّل النفطي، فإعلام النفط جعلنا أقليات متناحرة لا أمّة، وأفسد تركيب العقل الجمعي، كما أفسد مفاهيم القيَم العليا، وحتى الأساسيات الدنيا، حتى أصبحت الوطنية تساوي معاداة كل أعداء "إسرائيل"، والجنة تحت أقدام من يقاتلهم، و"المسخرة" الكبرى تحويل الصراع العربي - الإسرائيلي، إلى صراع شيعي - إسرائيلي، والأعظم من ذلك، أنّه ليس صراعًا حقيقيًا بل تمويهي لخدمة "مشروع السيطرة الشيعية واستهداف العالم السنّي" بحسب روايات اعلام النفط.
ولكن بالمقابل، هناك اختلاف رئيسي كبير، أدّى لإفشال مساعي إعلام النفط وأسياده في الغرب، وهي قوة محور المقاومة واقتداره، ما أفقد تلك المخططات فعاليتها وأثرها على مستوى النتائج، لذا أصبحت الخيارات محدودة جدًا. وقد تحدث الإعلام الأمريكي مؤخرًا عن الخطة "ب"، في مواجهة إيران، وهي خطة لا تصل لمستوى الحرب حسب ذات الإعلام، بل لاستهدافٍ موضعي لبعض المنشآت الإيرانية، وبعض المراكز الاستراتيجية.
والحقيقة أنّ الخطة "ب"، تشبه وضع العربة أمام الحصان، حيث إنّ الهدف المعلن هو منع إيران من إنتاج سلاحٍ نووي، بينما الحقيقة أنّ استهداف إيران، هو جزءٌ لا يتجزأ من مخطط السيطرة الإسرائيلية على المنطقة، عبر ما تسمى اتفاقات "أبراهام"، دون قدرة أي طرفٍ على مقاومتها. وعليه فإنّ إخضاع إيران يتطلب مهاجمتها بالنار لتأتيك مستسلمة إلى الطاولة، لا أنّ تلوح بخططٍ فارغة المضمون، لا تصلح إلّا لملء أعمدة الصحف.
وهذه الخطة "ب"، وحسب ما يتم تسريب بنودها في الإعلام الغربي، تشبه ما اعتمده العدو الإسرائيلي في استراتيجية "المعركة بين الحروب"، وهي استراتيجية فاشلة على كل الصُعد، فهي في الشكل استعراضية، وبلا أثرٍ ميدانيٍ في المضمون، ولكن اعتماد هذه الاستراتيجية الخرافية مع إيران، سيؤدي قطعًا لاندلاع الحرب، وهو ما تتجنبه أمريكا قبل "إسرائيل".
إنّ تدمير مفاعل نطنز مثلاً، بعملية عسكرية أمريكية أو إسرائيلية، سيضع الكيان في محرقةٍ سداسية الأضلاع، ستحرق أضلاع النجمة الستة، تبدأ من طهران مرورا ببغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وصولا إلى غزة، وهذا تدركه الولايات المتحدة كما تدركه "إسرائيل". لذا فالخطة "ب"، هي استنساخ لما يسمى باستراتيجية المعركة بين الحروب، ومجاراة كلامية لحكومة بينيت لا أكثر.
وقد تكون إغراءً لدول التطبيع النفطية وغيرها، بالاندفاع للحضن "الإسرائيلي" دون حساب خط الرجوع، وما يكتبه إعلام النفط عن هذه الخطة، يؤكد نظرية الإغواء، حيث يقول كاتب سعودي شهير، كان رئيسًا لتحرير جريدة "الشرق الأوسط" إنّ "إيران تمارس سلوكًا يدلل على خشيتها من الخطة "ب"، حيث أعلنت استعدادها للعودة للاتفاق النووي، كما أعلنت وجوب الحل السلمي في اليمن". ويضيف إنّ "إيران لا تصدق الحزم الأمريكي، ولكن تصويت الكونجرس على قرار منح "إسرائيل" مليار دولار للقبة الحديدية، جعل إيران تشعر بالحزم".
هذا النوع من التحليل، يجعلك تشعر بأنّ هناك الكثير من العوالم الموازية، التي تعيش حولنا، حيث يعتبر كاتب من علّية النفط، أنّ مليار دولار أمريكي لـ"إسرائيل"، دليل قاطع على دعم أمريكا لـ"إسرائيل"، وهي التي تعيش منذ نشأتها على المعونات، وأكبرها المعونات الأمريكية، ولم نعرف متى توقفت أمريكا عن دعم الكيان، ويعتبر أنّ قبول إيران بالعودة للاتفاق النووي خشية من الحزم الأمريكي، الذي يقف خلفه الاستعداد "الإسرائيلي"، أو دعوة إيران للسلام في اليمن خشية من الخطة "ب"، ولم نعرف متى رفضت إيران الاتفاق النووي، أو متى قالت إنّ الحل في اليمن بالقصف والصواريخ وأنهار الدم.
إنّ ما تسمى الخطة "ب"، هي عجزٌ أمريكي عن تجاوز فشل كل الخيارات، في مواجهة محورٍ صاعد، فلا يُعقل أن تنهزم في مواجهة أحد أطراف المحور عام 2006، حين كان عالم القطب الواحد، وتنهزم في مواجهة عمود الخيمة منذ العام 2011 في سوريا، حيث وُلد في حربها عالم الأقطاب المتعددة، وتنهزم في كل الساحات، ثم ترى أنّ الحل هو اقتلاع الخيمة ذاتها بتدمير إيران. إنّ خروج الخطة "ب" من أعمدة الجرائد، إلى حيز الواقع، يعني أنّ "إسرائيل" قررت الانتحار، وأنّ أمريكا قررت تشجيعها على ذلك، وهو المستبعد حالياً.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024