نقاط على الحروف
الى عكار.. حيث المنكسرة قلوبهم
ليلى عماشا
في عكار حيث الفقراء غرباء في قراهم المنسية والفقر وطن، قلّما يقصد المتمولون بيوت الناس؛ فالعناوين هناك مرتبطة بالوجاهة التي تؤمّن أرقامًا ناخبة، ولفتات "العطاء" تنحصر في الساحات العامة حيث يحتشد المصورون لتغطية الحدث والذي في أحسن أحواله لا يتعدى مائدة "شاورما" وخطابًا سياسيًا يستثمر في حقول القهر الذي لا ينضب.
في عكار حيث حلّت الفاجعة انفجارًا أحرق أجساد الفقراء الحيّة، لأن محتكرًا وجد بين الناس مساحة تتسع لخزان بنزين، ولأن الفقر دافع للحصول على "غالون" بالسعر الرسمي أو مجانًا، بعد أن حطّمت أسعار السوق السوداء عظام القدرة الشرائية.. إلى التليل العكارية التي لم يتمكن صبيان عوكر من تسييس موت ناسها وحروق ضحاياها فتُركت تواجه وحدها ألم الفراق وأنين المحترقين بالبنزين الذي انفجر، وبالظلم الذي كالجمر يذيب القلوب، لا سيما وأن محتكري الدواء حافظوا في مخازنهم على الأدوية المخصصة لعلاج الحروق.. إلى عكار لأن "الله عند المنكسرة قلوبهم"، وكذلك حزبه.. حزب الله.
يتحاشى حزب الله الحديث عن مبادراته الأخلاقية والإنسانية والوطنية. يتعامل معها كواجب تفرضه معاييره الأخلاقية العالية وعقيدته التي توجب رفع الظلم عن المستضعفين حيثما وجدوا، بل وإن وجدوا في بلد يتقاسم فيه المتأمركون المناطق بحسب لوائح الشطب وتعداد العائلات. لذلك لم تكن مبادرة حزب الله في عكار غريبة على مساره، ولكنها بدت غريبة جدًا على طبيعة البلد؛ البلد الذي تُقاس فيه قيمة الفقير بحجم الربح الذي يمكن تحقيقه إن تمّ استثمار فقره سياسيًا ومعنويًا وماديًا أيضًا.
مرّ وقت طويل على انفجار التليل، فبالنسبة لوجع المصابين بالحروق تعادل الساعة ألف عام، وبالنسبة لأهل الشهداء الذين احترقوا أحياء ببنزين "مخبّأ" وبجمر الحاجة، صار الوقت بثقل جبال الهمّ التي ترسو فوق صدورهم. منذ الخامس عشر من آب، يوم الانفجار إلى الأمس، لم يزر دورهم الفقيرة أحد ولم يسأل عن حالهم سائل ولم يهرع إليهم إعلامي واحد ليصنع له مجدًا وشهرة فوق حطام قلوبهم، فلا إمكانية لتسييس أوجاعهم ولا صيغة لتوجيه هذه الأوجاع ضد المقاومة أو لتحميل حزب الله مسؤولية حدوثها. ولنفس الاعتبارات التي جعلت هذا الحزب يعرض خدماته اللوجستية والمادية بعد انفجار المرفأ ولا يتدخل بشكل مباشر حرصًا على حساسية بعض الأطراف الذين منحوا أنفسهم بحكم الصيغة اللبنانية حق رفض المساعدة من جانب حزب الله، اضطر الحزب للتروي قليلًا قبل مبادرته إلى عكار، كي لا يخرج مرضى النفوس الطائفية لمعاتبته على التدخل في مكان محسوب لهم. لكن انتظارًا كهذا لا يمكن أن يطول، فالمستضعفون في عكار تُركوا لمواجهة حريقهم وحدهم، ولم يبادر إليهم سياسيّ ينتخبونه ولا متموّل يشترط عليهم التصفيق والصور مقابل ربطة الخبز ولا مجتمع مدني يتموّل بظاهره على حساب فقرهم ولا صحافي يبحث عن "سبق".
بغض النظر عن شكل المبادرة، عن قيمتها المعنوية والمادية، بالأمس زار وفد من حزب الله بيوت الناس المقهورين، وقف عند قلوبهم الجريحة وخاطرهم المنكسر وأحزانهم التي لا تخمد. تجاوز عن كلّ الأعراف "اللبنانية" ولم ينتظر اجماعًا يتيح له نصرة المستضعفين، تمامًا كما لم ينتظر اجماعًا ليحرّر الأرض ويحمي الناس، تمامًا كما في يوم بادر لحل مشكلة الكهرباء في قرية الطفيل، والتي هاجمها إعلام عوكر على اعتبار أنّها تدخّل "شيعي" مرفوض بحسابات الصيغة الطائفية اللبنانية في حلّ أزمة تخصّ قرية محسوبة على غير الشيعة!
لا يحتاج المرء إلى البحث عن أسباب ذهاب حزب الله بالأمس في عكار، فلو يصغي كلّ متسائل بقلبه لسمع الجواب بين طيّات النبض: لأنّه حزب الله!
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024