نقاط على الحروف
السيد نصر الله ومفاجآت العيار الثقيل
ايهاب زكي
"العديد بالنسبة لنا أهم من العتاد، وإذا بقول كم هو عديد رجال حزب الله سيصاب الكثيرون بالرعب"، بهذه العبارة لم يفصح السيد نصر الله عن عدد مقاتلي حزب الله، لكنه أفصح عن الرعب، وهو رعبٌ أصاب الهدف بدقة. رعبٌ يأتي في سياق انزياح هائل لطبقات الاستراتيجيا الدولية، فزلزال الانهزام الأمريكي من أفغانستان وفيها، خلخل عقيدة العسكرة الأمريكية للهيمنة، وقد بدت القوة العسكرية الأقوى والأضخم في التاريخ، مجرد كومة من الحديد، وهذا الواقع يأتي في ظل قوىً صاعدة ومتربصة. وقد يتبادر للذهن حين الاستماع لقوىً صاعدة ومتربصة، روسيا والصين مثلاً، وهذا حقيقي، ولكن خطابي السيد نصر الله في يوم العاشر، وفي تأبين الشهيد أبو ميثم، جعلا من حزب الله قوة صاعدة ومتربصة، فالحزب الذي يستطيع كسر الحصار الأمريكي على لبنان، بسفينةٍ لدولةٍ خاضعةٍ للعقوبات الأمريكية، وبسفينةٍ أو سفنٍ أينما سارت، ستمر تحت عين الأساطيل الأمريكية والهيمنة الأمريكية، ويرفع التحدي للذروة بتحذير أمريكا وليس"إسرائيل" فقط، من محاولة الاعتداء أو عرقلة وصول السفينة، وإن لم يكن الحزب قوة دولية أو ذا أهدافٍ دولية، لكنه قوة إقليمية تجابه القوة الدولية الأعظم، بكل ما لذلك من آثارٍ على الصراع الدولي.
فالسيد نصر الله حين أشار الى أنّ استهداف لبنان، وكل ما في لبنان من أزمات، هو من فعل السفارة الأمريكية، حسم طبيعة الصراع في لبنان، أقله، أنّه صراع مع الولايات المتحدة. وبما أنّ الحزب هو الطرف الثاني في الصراع، فالصراع هو بالقطع بين الحزب والإمبراطورية، وليس صراعاً داخلياً، وليس صراعاً مع قوى إقليمية-نفطية تابعة للولايات المتحدة. ولكن إذا نظرنا إلى الدائرة الأضيق التي وصلت إليها رسالة الرعب، نجدها وقعت في سويداء القلب "الإسرائيلي"، حيث أدرك العدو أنّ السيد نصر الله استباح برسالته كل "إسرائيل"، وليس فقط الجليل. فلم يصف السيد نصر الله مثلاً عدد المقاتلين الذين منعوا "الجيش الإسرائيلي" من التقدم في بنت جبيل، إبان عدوان تموز بالمرعب، ولم يصف عدد المقاتلين في معركة القصير بالمرعب، وحتى لم يصف عدد المقاتلين الذين تركهم خلفه الشهيد عماد مغنية بالمرعب، بل قال عشرات الآلاف، وصفة الرعب التي أطلقها السيد لمجرد سماع الرقم، لا تُقارن قطعاً برعب رؤية هذه الأعداد في ميدان المعركة، وهذا الرعب حصراً هو ما يغلّ اليد "الإسرائيلية" عن التعرض للبنان.
حين اعلن السيد نصر الله أنّ السفينة التي ستبحر من إيران بعد ساعات -المبحرة الآن- والمحملة بالمشتقات النفطية من إيران، هي أرضٌ لبنانية، ووجه تحذيراً شديد اللهجة للولايات المتحدة و"إسرائيل"، من أيّ محاولةٍ للتعرض لها أو عرقلة وصولها، فهذا الاعتبار يعني أنّ التعرض للسفينة لا يخضع لمعادلة المعركة البحرية بين إيران و"إسرائيل"، كما أنّها لا تخضع لقواعد الصبر الاستراتيجي، بل هي ضمن قواعد الاشتباك المفروضة بالنار بين لبنان والعدو منذ عدوان 2006، وكان اللافت أنّ "الجيش الإسرائيلي" تفاخر بعد خطاب السيد نصر الله ببحريته، وبسلاح الغواصات خصوصاً، وقد اعتبرها سلاحاً قادراً على تغيير المعادلات، ولا أدري إن كانت هذه البروباغندا الإعلامية صالحة للتغطية على العجز "الإسرائيلي"، ولكن ما أعرفه أنّه في الوقت الذي تصل فيه حمولة السفينة إلى لبنان، سيكون هذا التفاخر "الإسرائيلي" بسلاح الغواصات وتغيير المعادلات مجرد ثرثرة. فـ"إسرائيل" تدرك أنّه في حال تعرضها لسفينة الحياة، إنما تجازف بأمنها البحري عسكرياً وبشريانها الحياتي تجارياً، حيث تعيش على شرياني المتوسط والبحر الأحمر، ولا أحد يعرف مكان ردّ حزب الله في حال تعرض السفينة لعدوان، أيكون على البر "الإسرائيلي" أم على شرايينها البحرية أم كلاهما، هذا مكنونٌ فقط في عقل حزب الله، و"إسرائيل" لا تناقش إمكانية رد الحزب، لأنها متيقنة من ذلك، بل تناقش حجم الردّ ومكانه، وكل الاحتمالات نتيجتها واحدة، الأفضل عدم التعرض للسفينة أو لقافلة السفن بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وترك الأمر لتسويفات السفيرة الأمريكية والأدوات الداخلية.
إنّ الثقة المطلقة للسيد نصر الله بقدرات حزب الله، وتلمسه اليقيني للعجز "الإسرائيلي" والتراجع الأمريكي، جعله يطلق مفاجآت اقتصادية من العيار الثقيل، حيث لم يعد الأمر مقتصراً على جلب المشتقات النفطية بسفينة واحدة، بل بقافلة سفن أولاً، ثم بتلزيم شركاتٍ إيرانية للتنقيب واستخراج النفط والغاز من المياه اللبنانية، وهذه الخطوة ليست مجرد تحدٍ اقتصادي، بل هي التحدي العسكري الأكبر ليس لـ"إسرائيل" فقط، بل للولايات المتحدة أيضاً، فإذا كان ديفيد شينكر قد اعتبر جلب المشتقات النفطية إلى لبنان من إيران هو تحدٍ للولايات المتحدة، فإنّ قافلة السفن تحدٍ أكبر، وشركة إيرانية للتنقيب هي التحدي الأكبر الذي ستواجهه الإدارة الأمريكية وسفيرتها في لبنان. ولا أستطيع الجزم بأنّ هذه الإدارة قد تعلمت من معادلة السفينة، حيث إنّه ومنذ طرح السيد نصر الله لأول مرة، فكرة استيراد النفط من إيران، قلنا إنّ الخيار المتاح أمام تلك الإدارة لمنع تبلور هذه الفكرة إلى واقع، هو أن تسارع الولايات المتحدة لرفع الحصار عن لبنان، ولكنها اعتقدت أنّ أدواتها في لبنان قادرة على منع تحويل هذه الفكرة إلى واقع، فهل يتكرر هذا السيناريو مع شركات التنقيب الإيرانية، أم تسارع الإدارة الأمريكية إلى رفع الحصار وكف اليد عن لبنان؟ كما طالبها السيد برفع الفيتو فقط، وهذا حصراً هو الخيار المتاح الوحيد أمام الإدارة وسفيرتها، لقطع الطريق أمام تبلور فكرة الشركات الإيرانية إلى واقع، ورؤيتها بأمّ العين على شواطئ لبنان، قبالة البوارج الأمريكية وفوق الغواصات "الإسرائيلية".
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024