نقاط على الحروف
حزب الله.. مسيرة من الصبر والتضحية والثبات: " كمين خلدة " مثالاً
شارل ابي نادر
في الظاهر، لا يوجد ما يمكن اعتباره مشتركا بين مسيرة حزب الله بمواجهة العدوين الاسرائيلي والتكفيري وبين حادثة خلدة الاخيرة، والتي اخذت حقها لناحية التسمية بـ "كمين خلدة" بعد أن راح ضحيتها وبرصاصٍ موتورٍ مدسوس ٍ مفتن، ابرياء مشاركون بجنازة الشهيد المظلوم علي شبلي، والذي اغتيل غدرا قبل يوم من الكمين، فالاولى (مسيرة حزب الله) تحضن مسارا واسعا في المكان وفي الزمان، من المواجهات العسكرية الصعبة والخطيرة، ضد العدو الاسرائيلي، قبل التحرير وخلاله وبعده، وتحضن ايضا مساراً آخر من المواجهات الاكثر خطورة ضد المجموعات التكفيرية المدعومة عالميا، والثانية حادثة امنية حصلت نتيجة سلاحٍ متفلتٍ، يتداخل مصدرُ دعمِ حامليه بين السياسة والارهاب والاجرام والارتهان البغيض.
ولكن، اذا نظرنا للحدثين لناحية الاهداف التي أُريدت منهما، لوجدنا ان المشترك بين الاثنين، رأس حزب الله. واذا نظرنا للحدثين لناحية موقف الاخير وطريقة مواجهته لها لوجدنا ان المشترك في ذلك بين الاثنين هو: " صبرُ وحكمةُ ورؤيةُ حزب الله الثاقبة "، فكيف يمكن مقاربة الموضوع من هذه الناحية؟
عدوان تموز/ يوليو 2006 والذي جاء بتخطيط اسرائيلي بهدف تعويض صفعة الاندحار من لبنان في ايار/ مايو من العام 2000، قام بأساسه، تخطيطا ودراسة وتنفيذا بهدف انهاء نفوذ وموقع وسلاح حزب الله، حيث رأت "اسرائيل" في تلك الحرب التي شنتها بكامل قدراتها على لبنان، الطريق الاوحد لتدمير قدرات المقاومة، بعد ان عجزت وعبر كافة الطرق الاخرى، بتدخلها المباشر او عبر الكثير من الوكلاء في لبنان وفي الاقليم وفي العالم، عن تدمير وانهاء حزب الله، وانتصر الحزب في تلك الحرب واستطاع تحصين قدراته وتطويرها، بعد أن برهن انه قادرٌ على تحمل ما ليس لأحد قدرة على تحمله، بمواجهة اعتى قوة عسكرية في المنطقة، وكان في تلك الحرب مثالا للتضحية والثبات والصبر.
في الحرب على سوريا، وانخراط حزب الله مرغما فيها استباقياً للدفاع عن لبنان، كانت نظرته ورؤيته الثاقبة البعيدة، فاصلا اساسيا في ابعاد كأس سيطرة الارهاب عن لبنان، وحين كان يرتقي شهداؤه بالعشرات ويصاب مقاتلوه بالمئات، في ساحات مواجهة المجموعات التكفيرية في سوريا او على حدودها مع لبنان، كان المشككون والمغرضون والاعداء يصوبون على تجاوزه للسيادة اللبنانية وعلى تجاوزه لقرار الدولة الجامع، حاصرين كل تلك الحرب الجهنمية وتداعياتها الفظيعة، في موافقة او عدم موافقة اطراف سياسيين مرتهنين، لم يكونوا اكثر من وسيلة يستعملها الاقليم والغرب لتقويض واسقاط الدولة السورية وامتدادا لاسقاط لبنان في براثن إرهابهم، والذي اصاب مقتلا من العراق وليبيا وغيرهما من الدول العربية.
في سوريا ايضا حارب حزب الله ودعم واشترك في حرب ضروس ضد جيوش من الارهابيين مدعومة من جيوش ومخابرات دول كبرى وانتصر مع الجيش العربي السوري ، فكان ثابتا في الميدان، في اصعب مراحل تلك الحرب الصعبة، وبقي ايضا ثابتا في الموقف السياسي والاستراتيجي، رغم ضخامة الضغوط والاستهدافات.
في مرحلة بناء قدرات الردع وتوازن القوة والرعب، والتي خاضها في سوريا وبين سوريا ولبنان وفي لبنان، واجه اعتى قوة جوية ومخابراتية - استعلامية في العالم والمنطقة (العدو الاسرائيلي)، وبقي ثابتا صامدا امام القاذفات والمسيرات الاكثر تطورا، وفي النهاية حقق الردع بالمستوى المطلوب وانتصر في هذه المعركة الحساسة الذكية، بعد ان امتلك الصواريخ الدقيقة، والتي تقض مضجع العدو ليل نهار.
في مرحلة الضغط الاقتصادي - المالي والذي وجّهه الاميركيون بشراسة عليه وعلى لبنان، مستغلين ما يملكون من قدرات مالية وادارية عالمية، ومن نفوذ وسيطرة على المصارف وعلى جميع خطوط التحويلات المالية عبر العالم، بقي حزب الله ثابتا وانتصر. واليوم، بعد ان كان الهدف من الضغط على لبنان اسقاط نفوذه ومكانته وموقعه وموقفه، اصبح الضاغطون يلهثون لاستدراج عدم سقوط لبنان ماليا واقتصاديا، خوفا من سيطرة حزب الله وتوسع نفوذه.
واللافت في جميع هذه المراحل، استدراجه دائما للوقوع في الفتنة، فهي السلاح الذي بقي دائما مُشهَرا بوجه حزب الله وبقي دائما مصوبا الى رأس المقاومة بهدف اغتيالها، بعد ان عجز اعداؤه عن ذلك بكافة الطرق والوسائل الاخرى، في الميدان وفي السياسة والاقتصاد.
محاولات الفتنة الشيعية - الشيعية، لم تخرج ابدا عن طاولات الاختبارات والاستدراجات، بحجج متعددة من محاربة الفساد الى الاتهام بتسهيل الفساد وغيرها من محاولات خسيسة، وكان اعداؤه يعتبرونه وكأنه مسؤول عن كل شيء في الدولة، عن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، او كأنه هو المعني بفتح ملفات السياسيين الفاسدين او المتهمين بالفساد، وكأن الدولة غير موجودة، واللافت والمستهجن في الامر ان الاطراف او الجهات التي دائما تتهم حزب الله بانه يقود الدولة ويوجهها ويسيطر عليها، هم انفسهم يقودون مطالباته بمسك كل مفاصل تطبيق القانون ويلومونه ويصوبون عليه اذا تخلف عن التدخل في عمل السلطات جميعها.
محاولات الفتنة السنية - الشيعية، او السلاح الذي استعمل في العراق وفي الاقليم لزعزعة واسقاط الدول والانظمة العربية غير المرتهنة او غير المنصاعة للسياسة الاميريكة، كان دائما وما زال مُشهَرا بوجه حزب الله، في لبنان وارتباطا في سوريا من خلال تواجده العسكري في معركة دعم الدولة السورية في محاربة الارهاب، ودوره الفاعل في حسم هذه المعركة ضد الارهاب، اختزله المغرضون في لبنان وفي الاقليم وفي العالم، تحت عنوان بغيض "استهداف السُنَّة ".
وآخرها بالامس كمين خلدة، حيث كان قمة الاستهداف لجره نحو الفتنة، وحيث حصل الكمين بشكل إجرامي متعمد ومقصود، لا يمكن لاحد ان يتجاوزه او ان يضبط ردة فعله عليه، مهما كان يملك من رباطة جأش وصبر وتروٍّ، واستوعب حزب الله الصدمة ـ الضربة، وخرج جامدا ثابتا حكيما، وفاجأ من راهن على انها ستكون الضربة القاضية لرميه في أتون الفتنة.
هي مسيرة من الصبر لا تنتهي مع حزب الله، تقودها نظرة ثاقبة بعيدة عميقة، بعد أن اكتشف باكرا وبسرعة، ان ما يخطط له المغرضون والاعداء من خلال ادخاله في اتون الفتنة السنية الشيعية، ستكون تداعياته كارثية واضخم واكثر ايلاما من اي تداعيات اخرى تنتج عن وجع وألم سقوط الشهداء والمصابين، وعن جروح اي استهداف معنوي او انساني يصيبه.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024