معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

إيران الثورة والشعب والولاية (2/2)
22/02/2019

إيران الثورة والشعب والولاية (2/2)

حسن عز الدين(*)

تحدثنا في القسم الاول عن أسباب الثورة واستمرارها، في الجزء الثاني سنتناول القيادة وشخصية الإمام القائد الخامنائي والولاية والثورة الثقافية والإنجازات:

2. قيادة الامام الخامنئي:

انّ شخصية استثنائية وإلهية وتاريخية كالإمام الخميني قدس سره وثورة شعبية بهذا التلاحم الوطني، وهذه الثروات الطبيعية والموارد الاقتصادية، ودولة تربط قارات ثلاثاً ببعضها البعض ليس من السهل ابداً على شخصية أن تخلفها وأن تملا الفراغ وتتمكن من قيادة السفينة إلى بر الأمان وهي تواجه العواصف العاتية والمؤامرات والتهديدات والتحديات منذ لحظة انتصارها إلى اليوم. الا ان قابليات الامام آية الله السيد علي الخامنئي كانت عظيمةً، وهو الذي تمرس في السياسة عندما كان رئيسا للجمهورية، ويملك تاريخا جهاديا كبيرا من مرحلة ما قبل الثورة في مواجهة الشاه حيث لعب دورًا مهمًا في معارضة حكمه مما ادى الى اعتقاله وتعذيبه في سجون السافاك، مع هذه المعاناة تمكّن من تحويل هذا التهديد في السجن الى فرصة كبيرة استفاد منها في بلورة شخصيته السياسية وثقافته الواسعة وصقل شخصيته الايمانية وترويض نفسه لمهام كبرى، ومن خلال ممارسته لرئاسة الجمهورية اشرف على ادارة الدولة باجهزتها التنفيذية وسياستها الخارجية والداخلية وبات مطلعا على كل التهديدات والتحديات والمشاكل التي تواجهها الثورة فضلا عن نقاط القوة والضعف فيها. وأول شهادة له كانت من الإمام الراحل المؤسس: "ان فيكم خامنئي يسطع كالشمس"، تلميحا واشارة واضحة لقدرته على القيام بأعباء القيادة التي تحتاج رجلا مثله، فهو الفقيه الجامع للشرائط العلمية والروحية معا وهو الذي يملك قابليات تطوير الذات وصياغتها وترويض النفس لإيصالها إلى مراتب الكمال والتعلق بالله والترفع عن كل ما يعيق حركة الإنسان نحو الوصول إلى العبودية الحقة لله، أضف إلى ذلك وعيه وإدراكه وبصيرته النافذة التي كانت تستطيع ان ترى ما حولها وما يحاك لها ويدرك حجم التآمر على هذه الثورة، حتى لكأنه كان المقصود بقول الشهيد مطهري: ان القائد "هو الذي يرى ما لا يراه الآخرون"، بمعنى أنه يملك القدرة على تشخيص الواقع الخارجي ويستطيع ببصيرته النافذة الوصول إلى الحقائق، وينكشف امامه الواقع بما يجعله حاسمًا وحازمًا في مواقفه التي تحتاج إلى قرارات مهمة واستراتيجية تحمي الثورة ومصالح البلاد والعباد. وقد ظهر الكثير من قدرات وتفرّد ونبوغ القائد في لحظات التحديات واشتداد الأزمات وإطباق الاعداء على الجمهورية ومحاصرتها، ورأينا كيف اتخذ القرارات الاستراتيجية، عندما حسم فتنة سنة 2009 التي كادت أن تربك النظام، وأيضا عندما وصل التوتر بين أفغانستان وإيران إلى حافة الحرب، واتخذ بحكمته قرارا أبعد الخطر، وحوّله إنجازا وانتصارا وإبداعا وقيمة معنوية وأخلاقية وعملية. واستطيع القول ان السيد القائد وفي أربعينية الإمام الخميني الراحل وبعد الخطاب الذي اكد فيه على شخصية الراحل العظيمة والجامعة المانعة، تحدث عن الثوابت والمبادئ والأهداف التي ارساها الإمام واكد على تحقيقها والحفاظ على روحية الثورة وتضحيات الشعب التي بذلها وتحقيق العدالة الاجتماعية وتأسيس كل مستلزمات التقدّم والتطوّر والحياة الكريمة للمواطن والحفاظ على اقتدار الجمهورية في مواجهة الأعداء من الداخل والخارج وحماية منجزات الثورة والسعي للمزيد.

وتحدث وقتها بخطاب استراتيجي لمستقبل الثورة والدولة شعر كل من سمع الخطاب وقتها أن الامام السيد الخامنائي يمتلك كل مقومات وصفات وشرائط القيادة من حكمة وشجاعة وتقوى، وهذا ما اكدته الأيام حيث استطاع على مدى ثلاثة عقود من الزمن والقوى العظمى والكبرى تتآمر وتحاصر هذه الجمهورية، تمكن من إحكام البناء وأسس الثورة ومبادئها وأهدافها وأيضا بناء مسار تطوير البنى التحتية لتكون ايران دولة كبرى وعظمى، وما زالت روح الخميني تنبض في الشعب الايراني من خلال حضوره وتواجده في الميادين عندما يُطلب منه، وما استمرار الثورة لأربعين عاما إلا دليلا على تماسكها وقوتها وصمودها واستطاعت بذلك تقديم الأنموذج الاسلامي الفريد في ممارستها السلطة وتحقيق أهدافها.

أ‌ ـ ولاية الفقيه:

لعل في مقارنة بين النظم السياسية التي تحكم العالم وخاصة الدول الحديثة القائمة على مبدأ الديموقراطية والسيادة الشعبية أو الملكيات المطلقة أو الدستورية أو الجمهوريات وغيرها من النظم نجد ان نظام ولاية الفقيه وبترتيب وهندسة من الإمام الذي أكّد ان "ولاية الفقيه هي هدية إلهية"، يعتبر من أهم النظم السياسية التي واءمت بين الحكم الديني القائم على جوهر الدين وأحكامه الشرعية في المضمون واعتماد شكل الديموقراطية الذي يتناسب مع بيئة شعب مسلم في أغلبيته، وتنوّع عرقي واجتماعي وسياسي معقد، حيث مكّن الشعب من ممارسة السلطة وتداولها، من خلال العملية الديمقراطية القائمة على مبدأ الاقتراع الحر، الكاشف عن ارادة الناس وخياراتهم الحرّة، حيث يعبرون بذلك عن الرضى والقبول التام بهذا النظام ومؤسساته، وتظهر رغبة الأغلبية الشعبية ورضاها لنتائج العملية الانتخابية، وبذلك نحن أمام عملية تداول للسلطة ديمقراطية وحرة ونزيهة، دون تأثير لقوى المال والسلطة كما يجر ي في دول أخرى. وأيضا مما يساهم في تعزيز الاستقرار وثبات نظام الحكم ومؤسساته الدستورية القائمة على فصل السلطات المتعاونة فيما بينها والمحكومة لولي الفقيه الضامن لمصالح الدولة والشعب، ان الوليّ الفقيه دستوريا يملك صلاحيات كبيرة جدا إلا انه يتمتع بمجموعة من المواصفات والقيم العلمية والروحية والنفسية التي لا تسمح له بممارسة أي نوع من الديكتاتورية أو الإجحاف بحق الناس أو الميل عن العدالة التي امر الله بها.

وحتى تستقيم هذه الديموقراطية وممارسة تداول السلطة بما يتناسب مع البيئة التي تؤمن بمنظومة القيم الإسلامية والتقاليد والعادات وتفاعل النسيج الاجتماعي فيما بينه على مبدأ الامام علي (ع): " الناس صنفان، إما اخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، ولحسن تنفيذ الدستور ومراعاة هذه القواعد من ضمن المنظومة الاسلامية، اقر الدستور مجلس صيانة الدستور الذي من حقه تحديد مواصفات للمرشحين للمناصب العليا كرئاسة الجمهورية او مجلس الخبراء او مجلس الشورى الإسلامي، ووضع قيودا وشروطا يجب توفرها في المرشحين وتحدث عن أهليتهم وكفاءتهم لهذه المناصب القيادية في الدولة حيث تمنع من وصول الانتهازيين أو الذين يفرطون بمصالح الدولة والشعب، وهذا يشكل ضمانة لممارسة ديمقراطية بحيث لا يستطيع المال السياسي والنافذون في السلطة والقوى الخفية من التأثير أو التلاعب بنتائج الانتخابات، لتكون الانتخابات نزيهة وحرّة تعبّر عن ارادة الناس الحقيقية في اختيار الأفضل والأكفأ، الذي يشكل ضمانة لتحقيق أهداف الثورة ومبادئها واستمرارها.

ج‌ ـ الثورة الثقافية:

بعيد انتصار الثورة تم تشكيل مجلس اطلق عليه "مجلس الثورة الثقافية"  من مهامه القيام بتغيير البنى الثقافية والفكرية للمجتمع الإيراني بعد محاولات الشاه ضرب الهوية الإسلامية وحرف المجتمع عن عاداته وتقاليده وأعرافه باتجاه الحداثة والتغرّب (نحو استبدال هويته الوطنية والدينية حيث يصبح تابعا ومقلدا للغرب في سلوكياته وعاداته ومنظومة قيمه الأخلاقية) واستعادة الذات بعد استلابها، والعمل على تأصيل الفكر الإسلامي وتنقيته من كل المفاهيم والمصطلحات التي دخلت على الدين أو أدخلت بفعل الغزو الثقافي والتحريف والخرافات والأباطيل.

كما تم التأكيد على المهمة الأساسية وهي ضرورة اعادة قراءة المناهج العلمية في الجامعات والكليات سواء التي تتعلق بالعلوم الإنسانية أو الحقوقية والسياسية أو ما يتعلق بالفلسفة وعلم النفس وإعادة النظر بالبنى المعرفية والعلمية وتأصيلها بالمحتوى والمضمون الإسلامي كما تم التأكيد على ضرورة الاهتمام بالجانب المعنوي للإنسان والجانب الروحي والنفسي وكانت الخطوة التي تلت هي التقارب ما بين الحوزة العلمية والجامعات وعقدت لأجل ذلك الندوات والمؤتمرات لأجل تحديد المصطلحات الاسلامية وترويجها وجعل البنى المعرفية والثقافية والأخلاقية تتجه إلى تحقيق الآتي:

الوصول من خلال إعادة النظر بالمناهج العلمية وتأصيل المعرفة والثقافة والفكر الإسلامي في التركيز على الإسلام المحمدي الأصيل والمصطلحات وبناء الشخصية "لأن تكون كالحديد لا ان تملك الحديد". وسادت مفاهيم ومنظومة القيم الأخلاقية والسلوكية الاسلامية فتم التركيز على الدعاء والتمسك به وسادت مفاهيم التوكل والعمل والإنتاج، وتحمل المسؤولية، إضافة إلى القيم الانسانية والاخلاقية التي حكمت السلوك اليومي في الصدق والتكافل واحترام القانون وترشيد الإنفاق ..ألخ، ما ادى إلى المساهمة في استقرار الأمن السياسي والاجتماعي، وأيضا ساهمت ثقافة الاعتماد على الذات والثقة بالقدرات وبشعار اننا قادرون و"نستطيع" في تحويل تلقّي العلم والحاجة للآخرين واستيراد ايران ما تحتاجه من موارد وحاجات الى ثورة حقيقية في انتاج العلم في المستويات كافة، وتأمين احتياجات البلاد والوصول إلى الاكتفاء الذاتي، وقطع التبعية الثقافية والفكرية والاقتصادية والعلمية، ..ألخ.

د‌ ـ تقدير الذات:

من سمات وخصائص الشعوب الحيّة امتلاكها شخصية خاصة بها وكونها تعتمد على ذاتها وقدراتها وإمكانياتها. هذه الشخصية التي عمل الشاه على تحطيمها وتذويبها.

أعاد انتصار الثورة الثقة والانتماء لهوية الوطن وجوهر الدين والحضارة. فبعد الانتصار رسّخ الإمام الخميني ومن بعده الخامنئي مفهوم تعزيز الانتماء الوطني والقومي القائم على شخصية الشعب واعتزازه وافتخاره بتراثه الحضاري من جهة وتمسكه بقواه الإنسانية القادرة على دفع الوطن الى مزيد من التقدم والرقي والمدنية فثبت الإمام الخميني ثقافة العزة والاقتدار والانتماء للوطن وان شعب ايران بانتمائه الوطني والقومي يعزز رفعة الدين وجوهره الحضاري، ويؤكد الامام في وصيته: "واعلموا أن العنصر الآري أو العربي لا يقلّ عن العنصر الأوروبي والآسيوي والسوفياتي، وإذا وجد العنصر الآري أو العربي هويته الذاتية وأبعد اليأس عنه، ولم يكن له ثقة إلا بنفسه، فإنه قادر على المدى البعيد على فعل وصناعة كل شيء".  فالحس القومي لم يكن نقيضا للهوية الدينية بل واءم بينهما ليجعل منهما قوة دفع كبيرة في الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب الإيراني المتعدد والمتنوع العرقيات والمتنوع الاتجاهات السياسية.

فيتوحد في مواجهة الاحتلال والأجنبي ويضحي بما يملك لعزة وكرامة الوطن ويرفض التبعية لأجل القرار الوطني المستقل، فسادت روحية " اننا قادرون" وثقافة المقاومة والصمود في مواجهة الأزمات والتهديدات، وأصبحت سمة الشعب الايراني التي اتصّف بها، أنه شعب جدّي وعمليّ، ويمتلك شخصية فولاذية في المواجهة ويصبر حتى يحقق الانتصار.

وفي هذا السياق طلب الإمام الخميني في سنوات الحرب المفروضة على ايران ونتيجة الحصار من العلماء والمبدعين أن يبحثوا ويعملوا على تأمين الاحتياجات بقوى ذاتية. اراد الامام بذلك أن يؤكد للشعب أنه يمكنه أن يثق بقدراته لأن الحصار ليس سببا للاختراع انما يكشف عن الطاقات المودعة بالأمة، ولذلك الحاجة عندما تصل إلى درجة الالحاح ستؤدي إلى الاختراع وتكتمل صورتها بالابداع الذي يتوقف على الايمان بالذات والثقة بالنفس وبالعرق وبالانتماء لما نؤمن به، لأنه في نهاية المطاف كل الحضارات والتقدم والتطور حاصل تفاعل الفكر الانساني المتاح للجميع.

والجدير ذكره، أنه في الجمهورية توجد مدارس خاصة للمتفوقين وللمبدعين والأذكياء جدا ترعاهم منذ لحظات النبوغ وهم في صغرهم، فيضعونهم في مدارس خاصة بهم.

هـ ـ القضايا الكبرى:

فلسطين هي معيار وميزان الأمة والشعوب والحركات والأنظمة والفصائل، ونحكم على هؤلاء من خلال الالتزام العملي والسياسي والاخلاص في تبني القضية والدفاع عنها ومدى الدعم العملي والمعنوي، وبهذا الاعتبار تمكنت الثورة من رفع مستوى الشعب الإيراني إلى مصاف الدول التي تماهت مع القضية الفلسطينية حتى باتت في سياستها الخارجية بل في كل سياستها الداخلية وثقافتها محورا استراتيجيا فوحدت اللحمة الوطنية وعززت سلوك الشعب الإيراني باتجاه تبني القضية بشكل لا لبس فيه بان الكيان الصهيوني وجوده باطل ومحتل، وبتعبير الامام الخميني "غدة سرطانية يجب ان تزول". فبذلك الموقف المبدئي والأصيل عرى الكثير من الأنظمة التي تدعي العروبة وتدعي الإسلام وادى إلى مواجهة فعلية مع الإدارة الأمريكية والعدو الصهيوني وكان التعبير الدقيق عند لحظة الانتصار ما قاله بيغن رئيس الوزراء الصهيوني ان زلزالا قد حدث في الشرق وستصل تردداته الينا تباعا. وهذا السلوك الإيراني رسخ إيمان شعبه بحقانية القضية وأصبح ميزان إيمانه وثوريته وانتمائه للأهداف الكبرى فواءم بين أولوياته وقضاياه فحمى بذلك فلسطين من السقوط والتآمر من خلال الدعم والتسليح والتأهيل والتدريب ونقل الخبرات والدعم السياسي والاعلامي، وجعل فيلقا من الحرس الثوري بكل إمكانياته في خدمة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني إلى ان أصبحت قضية استراتيجية. والى جانب ذلك كانت حركات المقاومة في لبنان وفلسطين الرافد الأساسي في المواجهة وعزز ذلك من عناصر القدرة والقوة في حماية الثورة وتقوية موقفها وموقعها على المستوى الإقليمي.

ثالثا: في الإنجاز:

 اذا اردنا ان نتحدث عن جميع الإنجازات فلا تكفي بعض الأسطر لذلك. إن ما تملكه ايران اليوم وبعد حصار رافق انتصارها منذ اللحظة الأولى وهي لم تكمل بناء مؤسساتها الدستورية، وبعد أن شنّت الحروب عليها وتم حصارها دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا وصُنفت في محور الشرّ، وما زالت حتى اليوم، عظيمٌ حداً، وسأوجز بعض انجازات الجمهورية:


1. قوة اقليمية كبرى: ايران اليوم ومن موقع الاقتدار والقوة والتماسك الداخلي ومواقع التحالفات الدولية وعلاقتها مع الدول الكبرى وأوروبا ومواقع القوة في علاقاتها الإقليمية الممتدة من البحر الأبيض المتوسط الى أسيا فهي اليوم تشكل في ميزان القوى قوة معنوية دولية عظمى وقوة إقليمية كبرى وهي بصدد ان تحجز مكانا وموقعا ودورا على المسرح الدولي.

2. وفي اطار الدعم للشعب الفلسطيني واللبناني في سياق الصراع مع العدو الصهيوني تمكنت الثورة من إبقاء شعلة المقاومة والمواجهة وحضور فلسطين والقضية الفلسطينية في أولويات الدولة والشعب الإيراني والدول والفصائل والشعوب الحرة والمناضلة شعلة لا تنطفئ ويوم القدس العالمي الذي بات اليوم يشكل ركيزة عالمية تحتفل به شعوب العالم العربي والاسلامي والمستضعفين في العالم، ويقضّ مضاجع الصهاينة وهي تعبر دائما في موقفها عن الأمل بالنصر وتبث روح الوعي والصمود والاستمرار كلما خفت وهج القضية. تعتبر إيران شريكا مع سوريا والمقاومة في إسقاط المشروع التوسع الإسرائيلي وإلغاء مفاعيله من الفرات إلى النيل، وإسقاط إسرائيل الكبرى وإسرائيل العظمى.

3. على مدى أربعين عاما والمواجهة قائمة مع الإدارة الأمريكية منذ لحظة انتصار الثورة "وخطف الدبلوماسيين الأمريكيين في السفارة في طهران" حاولت الإدارة الأمريكية ان تقوم بعمل عسكري وامني لإنقاذهم وفشلت في كل مساعيها وحادثة صحراء طبس شاهدة على عقم الخيار العسكري الذي يلوحون به دائما. وأرادت العناية الإلهية ان تتدخل عبر عاصفة أدت إلى اصطدام الطائرات العمودية ببعضها بعضاً مما أدى إلى مقتل عدد من الضباط والجنود المارينز. واستمر الصراع وأخذت أمريكا مسار العداء لإيران وصنفتها في محور الشر وحرّضت دول الخليج وما زالت، وتمكنت ايران من الصمود وانتصرت في المواجهة واستطاعت ان تسقط هيبة أمريكا سواء في المحافل الدولية والمنظمات الدولية أو لدى الشعوب لان ايران أثبتت عن جدارة أنها تدافع عن حقوقها وتقف وتواجه ولا تستسلم، وأخر شاهد على ذلك الاتفاق النووي الذي خرجت منه أمريكا ليدرك العالم ان لا مصداقية لها ولا تلتزم بعهد أو اتفاق مما افقدها المزيد من الهيبة وتجرأ الكثيرون على الوقوف بوجهها.

4. الثورة الإسلامية بعيد انتصارها بقليل احتضنت أول مؤتمر عالمي لحركات التحرر حيث اجتمعوا في ايران من شتى أنحاء العالم، وقد حضر ما يزيد عن 120 حركة تحرر على امتداد القارات الخمس واعتبر من اهم المؤتمرات في تاريخ ايران وشكلت بذلك مرجعية للشرفاء والأحرار في العالم. وساهمت بالدعم والتأييد والتبني وتقديم كل ما تستطيع. واليوم ايران تقف بقوة وتمارس هذه المرجعية باقتدار رغم كل التحديات والأزمات التي تواجهها ويكفيها فخرا أنها لم ولن تتخلى عن فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية دعما وتأييدا ونصرة بكل مستلزمات المواجهة الضرورية لاسترداد الحقوق والأرض والمقدسات المغتصبة، كما تدعم القوى التحررية التواقة إلى حرية شعوبها وسيادة أوطانها واستقلال قرارها الوطني.

5. التقدم العلمي الذي حققته الجمهورية الإسلامية وهي تعيش كل هذه التحديات والأزمات وأنواع الحصار السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والعلمي الخ... فمقارنة بسيطة بين ما كان في زمن الشاه واليوم ستجد فارقا كبيرا جدا غير قابل للمقارنة في مسارات التقدم العلمي في المجالات كافة. ويكفي للدلالة على ذلك ان نرى العدو الصهيوني يبدي خوفه وقلقه الحقيقيين من ايران، ليس من التقدم الهائل على مستوى التصنيع الصاروخي وتطوير القدرات العسكرية والصاروخية البالستية، إنما خشيته الحقيقية من التطور والتقدم والتفوق العلمي الذي حققته ايران على مدى 40 عاما وخاصة في الفترة الأخيرة في المجالات الطبية والفضائية والنانو تكنولوجيا والخلايا الجذعية والأبحاث العلمية والدراسات العلمية وإنتاج الدواء وفي صناعة الغواصات واللائحة تطول ولا تنتهي.

وفي الختام، يمكننا القول إنه يكفي ايران أن تصمد طيلة أربعين عاما وتتحدى وتواجه أكبر الدول وأعظمها في قدراتها وامكانياتها العسكرية والأمنية والسياسية، وهيمنتها وسيطرتها على وسائل الدعاية والاعلام وقوتها الشيطانية التي تسخرها لأجل تقسيم وتفتيت المنطقة لابقاء الكيان الصهيوني متفوقا وحلفائها. هذا الصمود والبقاء والاستمرار هو نصر تاريخي واستراتيجي، ويعني أن الثورة بلغت من الحكمة والرشد ما يؤهلها لأن تأخذ مكانها الطبيعي على المسرح الدولي والاقليمي.

*مسؤول العلاقات العربية في حزب الله

الجزء الأول: إيران الثورة والشعب والولاية (1/2)

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل