نقاط على الحروف
"ويوفون بالنذرِ".. ولو كره الحاقدون
ليلى عماشا
إذا كانت "الشائعة" خبرًا أو مجموعة أخبار مختلقة ولا تمتّ إلى الحقيقة بِصلة و"الإشاعة" تضخيمًا لخبرٍ حقيقيّ بهدف تظهيره مضخّمًا ومبالغًا فيه، فإن المصطلحَين يعبّران عن خواء من يعتمدهما نمطًا في عمله وفي حياته، فكلاهما يطلقهما ذو مصلحة خفيّة أو معلنة من الترويج لمضمونهما مدركًا أنّهما سيدخلان سوق التداول بين الناس دون التثبّت من صحة المتداول، لا سيّما إذا تعلّق هذا المتداول بخبر هام أو حدث غامض أو شخصية غير عادية.
ولذلك يزداد رواج الشائعات في أزمنة الحروب لما يمتلك "الخبر الكاذب" من تأثير على الناس.. ومن هنا نبدأ.
هو زمن الحرب، وإن استراح الرصاص قليلًا في بعض ساحاتنا الجغرافية، فالأدوات الإعلامية التي سخّرت كلّ إمكاناتها المادية والمعنوية في خدمة العدو لا يستريح رصاصها.. ورصاصها لحسن الحظّ خاوٍ وفاسد: أخبار كاذبة، تضليل منظّم، شائعات ركيكة، وتكرار ببغائي لكلّ ما يصدر علانية عن الصهاينة ولا سيّما على منصات التواصل الاجتماعي، أو تمرير مكشوف لوريقات كتبت عليها المدعوّة "دوروثي شيّا" تعليماتها للنشر.
هذا النمط من التعاطي الإعلاميّ والتواصليّ ليس جديدًا وإن بدا في الفترة الأخيرة أكثر كثافة، أو أكثر وقاحة. فمنذ أن كشّر الكثيرون عن أنيابهم الهوليوودية في محاولة نهش كتف حزب الله، استمتعنا كمشاهدين وكقرّاء وكمتابعين للأخبار برؤية مشاهد مخزية لشدّة وقاحتها في التضليل والكذب، وعلى سبيل المثال لا الحصر: الهجمة الإعلامية على "مؤسسة القرض الحسن"، التهجّم على مساهمة حزب الله في رفع الظلم عن بلدة الطفيل التي هُدّدت بانقطاع تامٍ للكهرباء وتداول الموضوع بشكل يثير النعرات الطائفية، التنميط المستمر لبيئة الحزب وبيئة المقاومة بشكلٍ عام، كيل الاتهامات ذات الطابع الافترائي الواضح لتحميل حزب الله مسؤولية كل مصيبة تحدث في البلاد من خلاف عائلي بين ورثة حول ملكية بيت في الضاحية الجنوبية إلى انفجار مرفأ بيروت، وما بينهما من حيث "حجم" الخبر ونوعه..
أخبار كثيرة، أكاذيب لهول سهولة كشفها تشي إما بغباء مؤلّفها أو بتخلّيه عن عقله وعن احترام عقول الآخرين في صفقة قد يكون عقدها مع جهة ما وخوّلتها استثماره واستخدامه حتى في المواضع التي سيبدو فيها كاذبًا برتبة تافه وذي نسبة ذكاء متدنيّة، جدًا!
وبالحديث عن الشائعات، لا بد من الوقوف قليلًا عند كلّ ما تمّ تداوله من أخبار كاذبة حول صحة السيّد نصر الله في الفترة الأخيرة. مع التذكير بأن هذه الشائعة بالذات ليست جديدة، بل هي نفسها ويُعاد تدويرها منذ تموز ٢٠٠٦. لقد دخلت هذه "الكذبة" باب الأخبار في أيام الحرب بعد أن ادعى الصهاينة قصف المبنى الذي يتواجد فيه السيّد نصر الله بغية توهين عزيمة رجال الله الملتحمين المنتصرين في المعارك، وبذات الوقت لإشاعة روح الهزيمة الهدامة في نفوس أهل المقاومة وإمداد جيشهم ومستوطنيهم بنصرٍ وهميّ مؤقّت يشدّ "حيلهم" المقطوع رعبًا وذهولًا سواء في ساحة المعركة أو في الملاجىء التي غصّت بصهاينة يعانون هستيريا الخوف والترقّب.
أما بعد النصر الإلهي في تموز ٢٠٠٦ فلم يحاول الصهاينة تغيير الخبر الكاذب إياه بل أجروا تعديلًا بسيطًا عليه ليصبح موضوعه صحة السيّد حسن.. يبثونه كلّما وجدوا أنفسهم في زاوية اليقين بهزيمتهم. وما أكثر بقائهم فيها في هذه المرحلة المبشّرة بقرب النصر العظيم.
إن طال الوقتُ بين إطلالتين للسيّد أو قصر، وإن بدت عليه آثار التوعّك الصحيّ العادي أو لم تبدُ، إن خرج بين الناس في مسيرة العاشر المقدّسة أو لم يخرج، الخبر الكاذب إياه موضوع دائمًا في الدرج الصهيوني، وجاهز للنشر كلّما احتدّ الخواء أو أرعبهم الصمت.. وإن كان بُعيد تمّوز مصدر الخبر وناقله صهيونيين علانية ورسميًا، فاليوم كثرت الأدوات التي تقوم بالمهمة، بثوب الحمل المتسخة وداعته أو بثوب الذئب الصهيوني الصريح..
بعد إطلالة السيّد نصر الله الأخيرة، والتي قام بها في فترة تعافيه، بحمد الله، من وعكة صحيّة تصيب الملايين من الناس موسميًّا، تأمّل الخبر الصهيوني المتعفّن من كثرة الاستهلاك بإعادة تدوير تعيده جديدًا، عبر تحويل الشائعة إلى إشاعة مبنية على أثار ظاهرة لتوعّك السيّد وتحويل هذا التوعّك إلى مساحة يسقط فيها الصهاينة وأدواتهم، بل عبر أدواتهم، أمنياتهم على الواقع. وأصبح تفاعل المحبين مع قائدهم "دليلًا" يبني عليه المأجورون أخبارهم، معبّرين بذلك عن جهلهم التام بثقافة الناس وأعرافها وطقوسها.. فالنذور التي جعلها الناس على نية "شفاء السيّد" هي جزء لا يتجزأ من السلوك اليومي والاعتياديّ للناس، وهي بكل الأحوال لا تدلّ على المعاناة بقدر ما تشير إلى الحمدِ والتعبير عن شكرهم لله. وتعامل بعض الصحافة كدليل "مخبري" أو كتقرير طبّي، مع نذور رفعها المحبون على نية تعافي السيّد التّام من وعكته التي كانت مناسبة تصفع وجه من حاولوا تضليل الحقائق بالحديث مرة عن "غضب شعبي.." يزيد المسافة بين الناس وحبيب قلوبهم السيّد حسن في ظل الأزمة المعيشية المتفاقمة، ومرة عن انشغال الناس بيومياتهم وابتعادهم عن متابعة الأخبار والانتصارات المتراكمة لمحور المقاومة.
بين من يستثمر في الجهل بثقافة الناس للتعبير عن أمنياته الحاقدة، وأهل المقاومة وناسها مسافة كتلك التي تفصل بين قلوب الصهاينة التي تتخذ الكذب درعًا هشًّا لتُخفي خلفه ذلّها وجبنها وقلوب رجال الله السماوية الأصيلة الشجاعة.. مسافة شاسعة مزروعة بألغام التضليل والشائعات والأوهام، وبورد الحقيقة واليقين والثبات.. مسافة كتلك التي بين الواقع والوهم، وبين الكذب والصدق، وبين الحقد والحبّ.. وإذا اتخذ "الخصوم" موقعَ المنتمي علانية أو سرًّا إلى معسكر الأعداء وعبروا إلى المجاهرة بالعداء للمقاومة على صهوة كذبة قديمة واهية، فقد اختاروا بكلّ وعيهم أن يُهزموا مرتين: مرة حين استخفوا بعقول الناس وبقلوبهم، ومرة حين سيزول من ينطقون بأكاذيبه من الوجود.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024