معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

السعودية وانتفاضة القدس: غياب التضامن حتى بالمصطلحات
21/05/2021

السعودية وانتفاضة القدس: غياب التضامن حتى بالمصطلحات

أحمد ياسين
تعتبر السعودية من أكبر الدول العربية والاسلامية والتي تحظى بمكانة في العالم الاسلامي نظراً لدورها في ادارة مناسك الحج كل عام لاكثر من مليوني مسلم، ومحاولة لعب دور الدولة الراعية لشؤون العالم الاسلامي في حقبة من الزمن.

لكن المسار السياسي في المنطقة والعالم، والفرز الذي انتجته التطورات الإقليمية، جعل من السعودية دولة عادية مقلّمة الاجنحة بعدما كانت لعقود من الزمن دولة ذات ثقل ومرجعية للدول الإسلامية. واليوم تحاول المملكة العربية زيادة النفوذ من خلال كسب الرضا الأمريكي فظنّت أنها بدخول مسار دفع الدول العربية إلى مسار التطبيع مع كيان العدو ستلعب دورًا محوريًا يكسبها المزيد من الريادة.

وبدأ عهد جديد من التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني، سبقه خطاب جديد منفتح على الكيان العبري انعكس في التصريحات الرسمية وغير الرسمية، وجيش إلكتروني كبير ينشر رسائل شعبوية تحويلية لصالح ما يسمى "السلام"، ويحسّن صورة الإسرائيليين وكانت سياسة اللجان الالكترونية لأنظمة التطبيع، تركز على تشويه القضية الفلسطينية بعدة وسائل، منها ما له علاقة مباشرة بالفلسطينيين كالترويج لأن الفلسطينيين مثلًا باعوا أرضهم، ويريدون من الجيوش العربية تحريرها لهم بعدما باعوها برضاهم. وكلام آخر من قبيل أن الفلسطينيين يعتاشون على قضيتهم ويسترزقون منها. ومن محاولات التشويه أيضًا هو محاولة ربط نضالهم وكلّ تحركاتهم بالطرف الإيراني، وأنهم أعداء العرب والعروبة، لاعتبار أن أجندتهم إيرانية.

ثمّ لم يمضِ وقت طويل على ما يسمى اتفاق "ابراهام"، حتى استكمل الكيان عنصريته تجاه عرب 1948 بعمليات القضم الاستيطانية، وانتشرت على مواقع التواصل سواء في الفضاءات العربية أو العالمية، مقاطع الفيديو التي تبرز مظلومية الفلسطينيين وتؤكد على أحقيتهم. وحققت هذه القضية تضامنًا لافتًا كنس الكثير من تلك الأفكار التي كان يتم الترويج لها، ولم يعد لها أي مكان يذكر في الفضاء العام. وهنا يبرز هذا السؤال: ما هو الخطاب الذي سيعمد إليه السعوديون وحلفائهم بعد التهدئة؟ خاصة بعدما أفشلت الأحداث والمجريات في فلسطين المحتلة كل سياسات الترويج والدعاية السابقة.  
 
عام 2014 وخلال العدوان الاسرائيلي على غزة "عملية الجرف الصامد" تفاوت الموقف العربي من العدوان الإسرائيلي على غزة، بين الاستنكار والتنديد وبين من قدم الدعم المادي والإغاثي للغزيين. وهناك من آثر الصمت والدعوة لوقف إطلاق النار. في حين قال بعض المراقبين أن هناك دولاً عربية تقبل إلى حد ما هذه الأوضاع ما دامت تؤدي إلى إضعاف المقاومة في غزة ولم تؤثر في الوضع الداخلي لدولها.

السعودية والتي تقود ما يسمى بمحور "الاعتدال العربي"، والمنخرطة بشكل كبير في الفترة الحالية في معظم القضايا الإقليمية الحساسة في المنطقة، حاولت ان لا تقف صامتة أمام المشهد الإجرامي للعدوان الاسرائيلي على غزة آنذاك، حيث طالبت في الاجتماع الاستثنائي الطارئ لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي حول فلسطين، باتخاذ الإجراءات القانونية وتشكيل لجنة تحقيق دولية في الانتهاكات المستمرة التي يرتكبها العدو بحق الفلسطينيين. كما حث المندوب السعودي لدى مجلس الأمن في حينها الى تطبيق الاتفاق الدولية لاسميا اتفاقية جنيف الرابعة بحق كيان العدو، معتبراً ان اسرائيل انتهكت كل المواثيق الدولية.

كما وجه الملك السعودي آنذاك عبد الله بدفع ما يقارب من 50 مليون دولار للهلال الاحمر الفلسطيني كدعم اغاثي لقطاع غزة.
الموقف السعودي في تلك الفترة تركز على ضرورة وقف العنف والاستخدام المفرط للقوة، والتمسك بالمبادرة العربية للحل العادل والشامل كما يسمى وحل الدولتين.  في حين غطت وسائل الاعلام المحسوبة على النظام السعودي وقتها العدوان واظهرت شيء من التعاطف مع الفلسطينيين بحقهم بالأمن كما استنكرت الاستخدام المفرط للقوة من قبل جيش العدو. الا ان المصطلحات التي استخدمتها قناة "العربية" و"سكاي نيوز" الاماراتية حينها لم يرد فيها مصطلح العدوان على غزة، بل استخدمت عبارات من قبيل "التصعيد الإسرائيلي العسكري" و"العنف" و"العمليات العسكرية"، وكادت ان تختفي تماما ألفاظ مثل "المجازر" أو "شهداء" و"مقاومة" و"احتلال" و"صهيونية".
اليوم وبعد دخول مسار التطبيع العربي مع كيان العدو  حيز التنفيذ، وباتت الشراكة العربية مع كيان العدو بدفع سعودي واضح أمراً واقعاً. اصبحت مراعاة الكيان سياسياً وبشكل واضح سمة بارزة عند الانظمة العربية المطبعة لاسيما الخليجية منها.

ولعل الموقف الاماراتي والبحريني الداعم لكيان الاحتلال يمثل وجهاً من اوجه الدعم السعودي غير المباشر. حيث غابت التصريحات الرسمية المنددة بالعدوان او حتى الداعية الى وقف "العنف" في الاراضي المحتلة. التحالف الإعلامي المطبع مع كيان العدو على وجه الخصوص مثل الخط السياسي الذي يتبعه ويتحدث بلسانه، يتبنى ذلك الخط في استراتيجيته الإعلامية، سواء الرسمية أو المملوكة للقطاع الخاص.

فالاعلام السعودي والإماراتي المكتوب والمرئي، كان منحازاً الى كيان الاحتلال بشكل واضح. حتى دعاته ومحلّلوه السياسيون وغيرهم، منحازون إلى الكيان على حساب المقاومة الفلسطينية، ومحاولة القول ان كيان العدو يشن حرباً على حركة حماس وليس فلسطين والفلسطينيين في محاولة لتأطير الصراع ونفي صفة العروبة عنه وحتى فلسطين.

لعل المظهر الاعلامي الذي ظهرت عليه دول التطبيع العربي والسعودية في العدوان الاسرائيلي على غزة تفسره الكثير من الممارسات التي تنتهجها هذه الانظمة اتجاه القضية الفلسطينية. كما ظهر بشكل لافت غياب اي تحركات داعمة او متضامنة مع الفلسطينيين في تلك الدول، في حين غابت المواقف الرسمية بشكل واضح، حتى الشكلية منها التي تدعو الى التمسك بحل الدولتين وغيره من الخطاب الخشبي المتعارف.

الإعلام

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف