معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

19/05/2021

"سياديون" تحت خيمة البخاري‎

ليلى عماشا

وتحوّلت دار "البخاري" في لبنان إلى محجّة لزوارٍ تداعوا إليها وفودًا تسعى لنيل الرضا السعوديّ ونظرة عطف من وليّ أمر يهينهم علانية، وعلانية إليه يعتذرون.

من عالم السياسة والفنّ والإعلام، لم يصبر أهل الهبوط على غضب سيّدهم، فنزعوا عن وجوههم أقنعة السيادة الهزيلة، وتباروا في سرعة التنصّل من الكرامة الوطنية، واصطفوا بتعجّل عند باب البخاري.. ذاك يجهّز تمتمة الكلمات التي يريد قولها في حضرة سفير وليّ أمره، وتلك تدندن أغنية ترجو أن تنال استحسانه، وجميعهم يأملون أن تكون منشوراتهم المتملقة على منصات التواصل قد وصلت إليه قبلهم كجواز عبور إلى ثناءٍ ما أو ما يعادله في السوق الخليجية.

بدأت وفود سياديي الغفلة بالوصول.. خيمة في خارج الدار تمّ تجهيزها لاستقبالهم فيها وبالدّور كي لا يحدثوا ضجيجًا يزعج "السفير" أو ربّما كي يتمكّن هذا من تنويع أصناف الإهانة مراعاة للفروق التي بينهم وهم الآتون من مشارب مختلفة للذلّ والمعتادون كلّ منهم على لون معيّن من ألوان الانبطاح.

اللافت في الأمر أنهم جميعهم لم يساورهم ولو القليل من الخجل فيما كانوا يتنافسون في إظهار التذلّل الساطع، كلّ بأدواته التي تتيح له التعبير أو التي اعتادها. فالسياسي استخدم الموقف المنبطح تمامًا للسعودية، والإعلامي جيّر خبرته ونثرها عند أقدام وليّه، أمّا "الفنان" فاحتار بين أداء أغنية تُطرب أو رقصة تظهر بلا كلمات حجم الاستعداد لأيّ شكل من أشكال الذلّ مقابل الرضا.. وجميعهم، لم يفكّروا برهة في ستر خضوعهم أو تجميله حتى، بل تنافسوا فيما بينهم على من يستطيع بلوغ مرتبة الإذعان الأوضح..

ليس جديدًا كلّ ما فعلوا، لكن الكثافة التي تمّ فيها استعراض الرضوخ والتباهي به جعلت المشهد يبدو أكثر إثارة للاشمئزاز، ولا نقول الاستغراب لأن هؤلاء اعتادوا التعاطي مع مملكة الإرهاب على قاعدة أنّهم ملكيون أكثر من الملك، فمنذ اختطاف "رئيس حكومة لبنان" وإجباره على الاستقالة وكلّ ما رافق الحادثة وهم صاغرون يبحثون للمرتكِب عن مبرّرات بعد أن عجزوا عن تبرأته من فعل يباهي بارتكابه.. ولم ننسهم يوم قُتل زميل لهم ومواطن لوليّ أمرهم وقُطّع داخل سفارة بلاده في تركيا كيف حاولوا، كلّ بأدواته أيضًا، صناعة سيناريوهات تهدف إلى تجهيل القاتل المعروف أصلًا.. لا شكّ أنّ مفهومهم للسيادة التي يدّعون مشوّه أصلًا، إلّا أنّهم في حجّهم إلى سفير دولة أهانت رئيس بلادهم على الملأ بلغوا عارًا لم يسبق لعبدٍ أن ناله من سيّده، وبالبث المباشر العلنيّ، بلا أدنى شعور بالحياء أو الإهانة.

قبل أيام كان هؤلاء ينظمون الكلمات المنمقة حبًّا بفلسطين، لكنّهم لم يجدوا متسعًا من الوقت أو داعيًا لبذل جهد التجمّع نصرة لفلسطين.. فالقضية التي تداعوا لبذل ما بقي من ماء وجوههم فيها أهمّ بالنسبة إليهم من أي قضية أخرى، والموقف الذي يحتاجون لإيصاله إلى الرياض وسائر عواصم مجلس التعاون الخليجيّ هو الموقف الذي يعتاشون منه وفيه يبذلون كراماتهم، إن كان بقي لهم منها قطرة أو ذكرى. المضحك أن جميع هؤلاء العبيد يبدعون عادة في المحاضرة بالسيادة ويستصرخون العالم كلّه لنجدة "كرامتهم" إذا مرّ السفير السوري أو السفير الإيرانيّ في حديث ما على ذكر أمر يتعلّق بلبنان. وقد لا تجد أكثر منهم فصاحة حين يحدثون عن الشرف وعزّة النفس. اليوم هم لم يخرجوا عراة من كلّ هذا وحسب، بل ودعوا أهل الكرامة والشرف إلى التمثّل بهم وتبرأوا من كلّ من لم يستجب.

يتعدى الأمر الوقاحة، يتخطى الإذعان الصريح.. لقد تصرفوا كقافلة مجهّزة للعرض في سوق النخاسة.. هو مشهد يستطيب السعودي صناعته، ويُسرّ به لا سيّما بعد سقوط مشروعه "التكفيريّ" الذي أراده في سوريا ومع انتهاء حالة الأسواق الداعشية للاتجار بالبشر.. هم يعرفون جيّدًا ما يحبّ سيّدهم، ولا نملك أمام المشهد إلا حمد الله على نعمة الكرامة التي تجعلنا، نحن أهل العزّة المرصعة بالدم وبالصبر، سادة في كلّ صِلة، أحرارًا في كلّ موقف ومحترمين في كلّ زمان ومكان..

وزارة الخارجية اللبنانية

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف