نقاط على الحروف
كيان "الوهن" الاسرائيلي
ايهاب زكي
يتعمد الاحتلال تعظيم مناورته الجديدة المسماة "مركبات النار"، والتي تستمر على مدار شهر، واعتبارها الأضخم في تاريخه، حتى يعطي انطباعاً بأنّها مناورة تختلف عن سابقاتها التي لا تُعدّ، بينما الحقيقة أنّها لا تختلف عن سابقاتها من حيث الميدان، ولن تختلف من حيث النتائج.
فأزمة "إسرائيل" ليست في قلة العدة أو العدد أو الناصر، بل إنّ أكبر أزماتها وأكثرها تعقيداً أنّها تواجه محوراً لا يتردد، لا ترتعش له على الزناد يد، ولا يرتجف له وقت القرار قلب، لذلك فالتضخيم المفتعل من حجم المناورة وقيمتها، هو مجرد دعم نفسي لمستوطني الأرض السليبة لا أكثر. و"إسرائيل" بمستوياتها السياسية والعسكرية والأمنية تدرك ذلك، وهي تدرك أكثر أنّ السيد نصر الله يعرف ذلك، وكذلك فالسيد نصر الله يدرك أنّها أعجز من استغلال المناورة لارتكاب حماقةٍ قاتلة، لكنّه أصرّ على تحذيرها من هذا الاستغلال لارتكاب حماقة، وهو تحذيرٌ شديد الجدية كما تعرف "إسرائيل"، وله أثره في إطار الحرب النفسية لتفريغ المناورة من زخمها المفتعل.
"إسرائيل" التي تحاول طمأنة مستوطنيها على مصيرهم، من خلال هذه المناورة وتضخيمها، وأنّ هذا الجيش لا زال يمتلك القدرة على حمايتهم، وأنّه ليس فقط قادراً على حماية الحدود، والتصدي لثلاث جبهاتٍ مفتوحة في وقتٍ واحد، من لبنان وسوريا وغزة، بل أيضاً يمتلك القدرة على التوغل في أرض أعدائه، لكن أتت جملة السيد نصر الله التحذيرية في هذا السياق، وعلى سبيل الرسالة المضادة للمستوطنين، بأنّ هذا الجيش الذي يعجز عن ارتكاب الحماقات، حتى غير المقصودة منها، هو أكثر عجزاً من توفير الحماية لجبهته الداخلية، فكان أن وقفت "إسرائيل" ومناورتها المضخمة أمام جملةٍ واحدة، جملة واحدة قادرة على إعادة تحجيمها، خصوصاً أنّ السيد نصر الله تحدث عن المناورات "الإسرائيلية" في سياق التدليل على عجزها لا على قدرتها، وأنّ كثرة المناورات دليل ضعفٍ لا قوة، وهذا دقيقٌ جداً، فحين كانت تمتلك "إسرائيل" القوة والقدرة، لم تكن بحاجة لكل هذه المناورات، بل كانت تعتبر توغلها في الأراضي العربية واعتداءاتها المتكررة، مجرد مناوراتٍ عملية، ولم تكن تعطي بالاً لأيّ قوة إقليمية، حيث لم تكن ترى قوة قادرة على تهديدها.
وفي ذات الأسبوع وقف كيان العدو أمام جملةٍ تحذيريةٍ ثانية، انطلقت من غزة هذه المرّة، على لسان قائد أركان كتائب القسام، حيث حذّر محمد الضيف كيان الاحتلال من الاستمرار بمشروع التطهير العرقي في حي الشيخ جراح، واستمرار الاعتداءات واقتحامات المستوطنين للأقصى. وقفت "إسرائيل" بحكومتها وقضائها وجيشها وسلاحها وقبابها الحديدية أمام جملةٍ واحدة، وكانت خياراتها محدودة، بين الاستمرار في مشروع التطهير العرقي، دون الالتفات أو حتى سماع الجملة التحذيرية، باعتبارها قوة قادرة كما يقول نتن ياهو: "هذه عاصمتنا ونستطيع أنّ نفعل بها ما نريد ككل عواصم الدول"، أو أنّ تستمع بعنايةٍ شديدةٍ للجملة، دون الحاجة أو بالأحرى دون القدرة على اختبار جدّيتها وجدّية قائلها.
فالخيار الأول كان سيثبت عنجهية "إسرائيل" وعدوانيتها المثبتة، والأهم أنّه سيُثبت قدرتها على العدوانية وحماية العنجهية، وأمّا الخيار الثاني فسيثبت هشاشة قدرتها ووهن عزمها. ولأنّها بالفعل لا تملك القدرة ولا تملك إلّا الوهن، فقد اختارت الخيار الثاني، واختارت الرضوخ العلني في إطار قضائي، حيث أعلنت المحكمة تأجيل النظر في قضية بيوت الشيخ جراح لثلاثين يوماً.
في السنوات الأخيرة وقعت "إسرائيل" في وهم اختراقها للوعي الجمعي لشعوب المنطقة، من خلال الآلة الإعلامية والتثقيفية والدرامية التي سخرها النفط، وذلك لزراعة "إسرائيل" في وعي المنطقة من خلال الكيّ، كما زُرعت في جغرافيتها بالنار. وراكم إعلام النفط وإعلاميوه ومثقفوه وممثلوه الكثير من طبقات الغبار فوق القضية المركزية للأمة، حتى بدا أنّها لم تعد تهم أحداً، وأنّها في قعر سلم الأولويات لحكومات وشعوب المنطقة، فالنفط لم يكتف بتغييب القضية وتمويه العدو، بل اختلق أعداءً من العدم، وهم مع سبق الإصرار والتعمد وليس بمحض الصدفة كل أعداء "إسرائيل"، في لبنان وسوريا والعراق واليمن. وعلى رأس الأعداء المختلقين إيران، فاطمأنوا أنّ الوعي دان لهم أو يكاد، ولكن ليلة واحدة ومواجهة واحدة في ساحات الأقصى، كانت قادرة على كنس كل ما راكموا، وهذا ما شكّل صدمةً اضطرت المطبعين للاستنكار، فأدانوا الاعتداءات "الإسرائيلية"، وتنافروا لعقد اجتماعاتٍ متأخرة للجامعة العربية، وستُسفر عن تكرارٍ لبيانات الإدانة التي صدرت بشكلٍ انفرادي لا أكثر، وهي في موازين الصراع بلا أثرٍ أو تأثير، ولن يطول بهم الوقت لإعادة دراسة أين أخطأوا، فيعيدون الطرق مجدداً على الوعي، ولكنهم سيكونون كمن يحفر على الماء، فهذا الكيان الذي وقف عاجزاً أمام جملتين، لن يفيده حين تقع الواقعة أيّ حلولٍ ترقيعية، فالمصير الذي على المحك، ليس ينقذه صخب الإعلام وتدليس الأقلام أو وقاحة الدراما، فالنار تقترب من رأس الكيان، لذلك القدس أقرب.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024