نقاط على الحروف
مشهد الجليل: لمحة عن الفرح الآتي
ليلى عماشا
في البدء، السّلام على الجليل وعلى كلّ التراب الفلسطيني، وعلى كلّ أرضٍ مغتصبة بالاحتلال أو محاصرة بأدواته.
السّلام على الحجارة وعلى النسمات التي تعبر إلى الجليل محمّلة بعبق الشهداء ورائحة العبور القريب القريب، وتعود منه مخضّبة بحكايا الأسر وانتظارات العشب لخطوِ أقدام ستحرّر.
والسّلام على العيون التي تحطّ كالعصافير برهة في الجليل كي تنطلق منه إلى يافا وحيفا، إلى القدس وإلى عكا.
والسلام على القلوب التي جعلت نبضاتها ليل أمس صلاة شكر وابتهالات فرح بالنبأ الآتي من خلف الحدود، واستقبلت بالبهجة الحرّة صور الصهاينة وهم يتدافعون إلى جهنّم في أكياس وعلى حمالات تقلّهم بعيدًا عن مكان انسحاقهم. قيل قتلهم التدافع وقيل انهار فيهم جسرٌ أو مدرّج، لا فرق؛ فبعيون اليقين شهدنا مقتلهم بـ"حِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلْ" وحمدنا الله حمدًا كثيرًا أن وهبنا فرحة كهذه في ليلة الجمعة.
أما بعد، تداعوا إلى "الجليل"، جليلنا العزيز المحتل، واحتشدوا في "صفد"، صفدنا المكرّمة الأسيرة، وعاثوا في أرضها فسادًا بطقوسهم المريبة وبوجوههم الكالحة وبقلوبهم المسودة المظلمة ومنها انطلقوا أفرادًا وجماعات إلى بئس المصير، في أكياس بلاستيكية وحمّالات لم يكفِ عددها للملمة جيفهم النتنة من الأرض ومن بين أرجلهم النجسة. رقصوا كالشياطين المغلولة ثم تناثروا بين قتيل وجريح ومرعوب ومصدوم ومنهار.
انتهى حفلهم بأن احتفلنا بدون موعد وتحوّلت ليلتنا إلى فرح يصدح من مآذن القلوب ويرتّل: "وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينْ"، وإلى ابتهاج عابر للقلوب الطاهرة بلغ تبادل التهاني والڤيديوهات التي تزفّ إلى أعيننا مشاهد لوعتهم وبعثرتهم وذهولهم في حضرة عدالة السماء وإنصاف القدر.
نعم شمتنا، بالمعنى الذي يصون قلوبنا وينزّهها ويرفعها إلى مراتب الطهر الجميل والتسليم البهيج لمشيئة الهية أحاطتنا بالفرح. نعم سرّنا المشهد، مهما علت أصوات تزايد بادعاء الإنسانية لتلومنا تحت اعتبارات واهية وسخيفة وربّما مشبوهة.
قال البعض "من المعيب الفرح بمقتل المدنيين"، فأجبناه لا مدنيين صهاينة. لا يمكن للمستوطن أن يكون مدنيًا أصلًا، فهو كمغتصب للأرض وكمساهم في تهجير واقتلاع الفلسطينيين من بيوتهم وكمعتدٍ لا يتوقف اعتداؤه، لا فرق بينه وبين أي جندي صهيوني إلا باللباس.
وقال البعض إن من المفهوم أن نبتهج بقتلِ الصهاينة في عمليات المقاومة ولكن لا مبرّر للابتهاج بحال قُتلوا في حادثة أو ما شابه، فأجبنا أن مقتلهم مهما تعدّدت أسبابه وظروفه سيظلّ مدعاة فرح طالما هم محتلّون، وأن المعايير الإنسانية بالنظر إليهم سقطت حالما تركوا بلادهم المختلفة وأتوا إلى أرضنا محتلين.
حاضر البعض بوقاحة ممزوجة بادعاء الانسانية بوجوب تجنّب الشماتة بالموت. هذا البعض يعاني من انفصام مشبوه في نظرته للإنسانية إذ يفترض أن هذه الإنسانية وُجدت لتبرّر التعاطف مع القاتل والمجرم والمغتصب والمعتدي والمحتل، وبأحسن الأحوال هو يساوي بين مَن يحمل هذه الصفات وبين القتيل والضحية والمغتصَب والمعرّض للاعتداء والمسلوبة أرضه، وفي حالاته الاعتيادية لا يزعجه مشهد القتلى إلا إذا كانوا صهاينة أو غربيين، ويفترض في داخله أن قتلنا مسألة عادية ومبرّرة.
وفي الختام، كانت ليلتنا جميلة، مصحوبة بملاحقة عدّاد القتلى الذي بلغ ٤٤ في ساعات الصباح الأولى، وتخلّلها الكثير من الهمروجات والنكات والضحكات الساخرة أمام مشهد الهلع الصهيوني. جميعنا ذهب بخياله إلى ذلك اليوم الذي يزداد اقترابًا، وأمكن أن نلمح الهلع في أعين المحتلين أضعافًا مضاعفة. وإن كان الجليل قد رجم المستوطنين بالأمس، فحتمًا سيكون المشهد أجمل يوم ترجمهم أيدي رجال المقاومة، وفي الحالين، بل في كلّ الأحوال، "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ".
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024