نقاط على الحروف
الرمان المفخخ بالحقد والتبعية
ايهاب زكي
في خطابه الأخير تجنّب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله التصويب على السعودية، وذلك كما قال من باب تفويت فرصة اتهام الحزب بعرقلة تشكيل الحكومة، رغم أنّ ابتسامته كانت تشي بإدراكه أنّ الأمر أكبر من مجرد قال وقلنا، فالسعودية لا تتصرف بناءً على قواعد سياسية، بل بناءً على ركيزتين أساسيتن لا ثالث لهما، التبعية والحقد. وما قررته مؤخراً من منع استيراد الفواكه والخضار من لبنان، ومنع مرور المستوردات لدولٍ أخرى من أراضيها، هو قرارٌ يعكس حقيقة التبعية والحقد. هذا على افتراض أنّ المهرّبات كانت بعيدة عن تدبير السعودية، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار تزامنها مع شكر يوناني للسعودية، لمجهودها بضبط شحنة مخدرات لبنانية متوجهة إلى سلوفاكيا، ومجهودها هنا يعني تقديم المعلومات الكاملة عن الشحنة، نوعها وحجمها ومكان تخزينها وصاحبها. وعلى خلاف الشق الجنائي، فقد يكون للأمر جانب استخباري تعمدته المخابرات السعودية. فلبنان برئاسته ومقاومته، والذي يرفض حتى اللحظة تقديم أيّ تنازلاتٍ تصبّ في المصلحة الإسرائيلية، يتعرض للضغط الهائل من الولايات المتحدة، وهنا كانت التبعية السعودية لأمريكا، تسمح لها بممارسة أقصى درجات الحقد.
حين تجد عنواناً في أهم الصحف السعودية حرفيته "تحرير فلسطين بالرمان المفخخ"، في إشارة لضبط المخدرات في ثمرة الرمان، وفي إشارةٍ أدق لمن تتهمه السعودية، وكأنّ حزب الله وحده على امتداد الوطن العربي من يطالب بالتحرير، ورغم أنّ هذه الحصرية شرفٌ عظيم، إلّا أنّها حصريةٌ لم يدّعِها الحزب، إذًا فالأمر يتجاوز مجرد التصويب على حزبٍ أو دولةٍ أو شعب، بل يتجاوزه لضرب فكرة المقاومة وترسيخ فكرة اللاجدوى. فيصبح الاستسلام هو الوسيلة المثلى، حيث يتم تسخير كل واقعةٍ مهما بدت هامشية، لصالح المخطط السعودي في "أسرلة" المنطقة، وكأنّ الجماهير التي رفضت وقاومت تمرير قرنٍ أمريكيٍ جديد، ستقبل عصراً "إسرائيلياً" على صهوة الحقد السعودي. والتشكيك في الجدوى يتطلب التشكيك في الجدّية، حيث إنّ المقاومين والمطالبين بالعمل على تحرير فلسطين، ليسوا جديين في سعيهم، وأنّهم يتخذون من شعار المقاومة ستاراً لأعمال غير نبيلة، ومن المضحكات المبكيات، أن تكون غير نبيلةٍ هذه هي استهداف السعودية، وكأنّها طرف يجاهد منفرداً وحيداً المشروع الصهيوني والهيمنة الأمريكية.
ولكن هناك مضحكاتٍ لا مبكيات توازيها، حيث يطالب بعض الكُتّاب السعوديين الولايات المتحدة، بوضع تجارة إيران للمخدرات واستهدافها السعودية بهذه التجارة، على جدول أعمال مفاوضات فيينا، ولكن هؤلاء وفي ثنايا تكاذبهم عن الحرص على الأمن السعودي والشباب السعودي والثروة السعودية، يكشفون أنّ المطلوب هو تنازلات في لبنان وفي سوريا وفي العراق وفي اليمن، لصالح المشروع الصهيوني والهيمنة الأمريكية، وأنّ بإمكان لبنان زراعة الحشيش في حجر الكعبة، فيما لو قرر التنازل عن نفطه وعن مصدر قوته وعن قراره. ولكن ما فعلته السعودية، دليل قاطع على أنّ لبنان لم يتنازل فقط، بل لا نية لديه بتسليم نفسه لـ"إسرائيل" بشكلٍ مباشر، أو لـ"إسرائيل" عن طريق السعودية بشكلٍ غير مباشر، وإن كنا هنا نتحدث عن أحد أوجه السياسة السعودية وهو التبعية، فلا يمكن التغافل عن الوجه الآخر وهو الحقد، حيث لا يمكن استبعاد التصويب السعودي على القطاع الزراعي اللبناني، بعد ما أبداه السيد حسن نصر الله من اهتمامٍ بهذا القطاع، وكان دائم الحثّ على تنشيطه حكومياً وشعبياً، كأحد مسارات التغلب على الأزمة المتفاقمة في لبنان، كما يتجلى الحقد السعودي بالعمل على تحريض كل دول الخليج على منع استيراد الخضار والفاكهة من لبنان، وقد بدأت ذلك بمنع مرور هذه السلع بأراضيها، وهو ما يعني أنّ الأمر مبيّت، وليس وليد ضبط شحنة مهربة، ولو أنّ الدول تتصرف بهذه الطريقة، لما استورد أحدٌ من أحدٍ شيئاً.
رغم أنّ السعودية هي بؤرة لاستقبال المخدرات وبؤرة لتهريبها، ورغم أنّ المخدرات في السعودية أحد مظاهر الترف والبذخ، فإنّ السعودية قدمت الأمر باعتبارها دولة نظيفة أولاً، وأنّ إيران تستهدفها بحرب المخدرات مباشرة أو عبر"وكلائها" ثانياً، كما أنّه تم حشر سوريا في الموضوع، باعتبار الشحنة قد انطلقت منها إلى لبنان حسبما قالت قناة "العربية" السعودية إنّها مصادرها، وهذا يؤكد أنّ الأمر يتجاوز فكرة الجريمة الجنائية، لتصل حد الحرب على محورٍ كامل، وهو محورٌ ذنبه الوحيد تمسكه بمبادئه وحقوقه. وعبر وصم هذا المحور بالجريمة المنظمة، تسعى السعودية لتبرير اصطفافها في الخندق "الإسرائيلي". ولكن السعودية التي تزداد تبعية وحقداً، وبالتالي تزداد تصميماً على إيذاء كل أعداء "إسرائيل"، فاتتها أمورٌ شديدة الأهمية، وهي أنّ المعارك لا تُكسب بكثير الصراخ، وأنّها كيان هشٌّ يتعامل بإمعيةٍ صارخة مع إمبراطوريةٍ آفلة، أو على الأقل هيمنتها إلى أفول، وعليها أن تنظر إلى نتائج محاولاتها على مدى عقدٍ ونيفٍ على الأقل، لتشويه حزب الله ومحور المقاومة عموماً، فهل نَقَصَ ذلك من قوته شيء، وهل أطال ذلك في عمر "إسرائيل" شيء؟ وقد يقول البعض وما علاقة "إسرائيل" بالسياسات السعودية؟ هنا يتوجب السؤال التحدي، هل من موقفٍ سعوديٍ أو سلوكٍ أو اصطفافٍ لم تكن في قلبه "إسرائيل"، حتى المال الذي لا تملك سواه كما قال ترامب، واتخذته كذريعة لتلصق بنفسها لقب مملكة الخير، لم يُدفع فلسٌ منه إلّا لخدمة "إسرائيل" أو من أوجدها.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024