معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

الوعد الصادق بنسخته الاقتصادية‎
07/04/2021

الوعد الصادق بنسخته الاقتصادية‎

ليلى عماشا

في حزيران ٢٠٢٠، ومع تحوّل الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى حالة من الاختناق المعيشيّ على كافة المستويات، تحدّث الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله حول الحرب الاقتصادية، وخلال حديثه قال حرفيًا: "المراهنون على جوعنا نقول لهم لن نجوع ولن نسمح أن يجوع لبنان".

ومنذ ذلك الحين، بدا واضحًا أنّ حزب الله بدأ يعدّ العدّة لمواجهة المرحلة الصعبة والضاغطة ولا سيّما على الفقراء الذين بات يتمترس خلف تعبهم وصبرهم كلّ منافقي الخطط الاقتصادية والمشاريع المشبوهة الذين ينظّرون بوقاحة لافتة إلى ضرورة الخضوع للشروط الأميركية في سبيل إنقاذ الناس من الجوع. وإن خرجت بعض وجوه هذا الإعداد إلى العلن، فمعظمها ما زال حتى اللحظة طيّ السرّ، لا سيّما وأنّ الحزب يصرّ على أن يتحمّل كلّ المعنيين مسؤولياتهم تجاه الناس وتجاه البلد، وخاصة في الشأن المعيشي الذي لامس الكارثة الحقيقية وتحوّل إلى ما يشبه ساحة للجرائم الاقتصادية المنظّمة بفعل "لعبة الدولار والليرة" التي تديرها غرف العمليات في مصرف لبنان، على ما يبدو بتوجيهات أميركية مباشرة، وبفعل الجشع الذي حوّل المحتكرين إلى وحوش تقوم بتصفية دم الناس في سبيل مراكمة الأرباح.

مساء أمس وعبر شاشة "المنار" أطلّ النائب عن حزب الله الدكتور حسن فضل الله، وتحدث في بعض تفاصيل الخطة الموضوعة للتخفيف من ثقل الأزمة عن كاهل الناس، كل الناس، مؤكّدًا أن حزب الله كان "منذ اليوم الأوّل مع الناس، وبجانبهم وعمل بصمتٍ مرتبط بثقافة حزب الله"، كما أكّد على جهوزية الحزب لمساعدة كلّ البيئة اللبنانية، تمامًا كما في مواجهة أزمة كورونا (حيث وضع الحزب كلّ طاقمه الصحيّ بحالة الاستعداد للمواجهة في الصفوف الأمامية) وبعد كارثة انفجار مرفأ بيروت رغم استنفار بعض القوى اللبنانية والخارجية رفضًا لقبول أي خدمة يؤديها أو يعرضها حزب الله في هذا الإطار.

بين ألفي مشروع قيد الدرس و٣٠٠ مشروع جاهز تسير استعدادات المقاومة ضمن خطة مواجهة الحصار وآلياته ومفاعيله. هذه الخطة التي بدأت تظهر ملامحها منذ مشروع "ATM" مؤسّسة القرض الحسن الذي أرّق الكثيرين ممّن غطّوا نهب أموال المودعين في المصارف، إلى مشروع بطاقة "السجّاد" الذي يؤمّن للناس المواد الغذائية والتموينية بأسعار مدروسة وتقل عن الأسعار المتداولة في الأسواق بنسب تبلغ أحيانًا ٧٥٪؜، وفق خطّة محدّدة لمنع أي احتكار وعلى مراحل متلاحقة ابتداء من المستحقين الأكثر فقرًا وصولًا إلى الجميع، وما بينهما من مشاريع ومساعدات يصرّ الحزب وأبناؤه على اعتبارها خدمات تجاه الناس، ومن دعوة الأمين العام لأبنائه إلى المبادرة كلّ باتجاه محيطه عبر التبرّع بجزء من رواتبهم (وهو الأمر الذي كان قد بدأ فعليًا قبل أن يدعو إليه السيّد بشكل علنيّ وإن بمبادرات فردية واسعة النطاق).

كلّ هذا، وما زال الجزء الأكبر من خطّة المواجهة قيد الكتمان لاعتبارات عديدة منها كما ذكرنا إصرار الحزب على دفع جميع المسؤولين إلى تحمّل مسؤولياتهم، ومنها اعتماد هذه المنظومة الأخلاقية على أن يكون جلّ عملها "صدقة سرّ"، لا تُظهر منه سوى ما تقتضيه الضرورة، بل الضرورة القصوى، لا سيّما في مواجهة على هذا القدر من القسوة والاحتدام بين جشع التجار والمحتكرين وأصحاب الوكالات الحصرية من جهة، وبين إصرار المحتضِر الأميركي وأدواته اليائسة على تحقيق ولو جزء يسير من النتائج التي يتوخونها من الحصار ومنها دفع لبنان نحو التطبيع (أو دفعه إلى الحياد) ونزع سلاح المقاومة (أو تحريض الناس عليه لانتزاع الحاضنة الشعبية عنه).

بالأمس، تصدّرت "بطاقة السجّاد" وصورة من المخازن التموينية المرتبة والتي تتجهز لاستقبال الناس اهتمامات رواد منصات التواصل الاجتماعي، ولم يخلُ الأمر من بعض رشقات الحجارة تجاه المشروع لا سيّما من جهة المتضرّرين من كسر الاحتكار ومن مواجهة الحصار بالتحدّي وبالصمود.. لكن الصورة الأعم كانت مزيجًا من الفخر بالانتماء إلى منظومة تعِد وتفي وتحمي وتبني، ومن جمال الانتساب إلى بيئة لا تؤاخذ الآخرين بما فعل السفهاء منهم، ومن الحرص على التمسّك بسلّم أخلاقي وقيميّ شديد الحرص على الكرامات وعلى الإعداد لنصر جديد..
 بطاقة "السجّاد" وغيرها من جهود حزب الله في إطار الوعد الصادق بأن "لن نجوع" ليست سوى إحدى آليات مواجهة الحصار العدواني والذي تستخدم فيه الولايات المتحدة الأميركية مختلف أدواتها البشرية والاقتصادية في سبيل فرض هيمنتها المتهاوية على المنطقة، وفي سبيل كسر سلاح حزب الله. ولذلك حزب الله غير معنيّ بمن تحسّسوا من جهوزية التعاونيات التي تكسر الاحتكار، وغير معنيّ أيضًا بمن وجدوا في مدّ يدّ العون للناس، كلّ الناس، خطرًا على مفاعيل الحصار وحباله الممتدّة من منظومة المصارف إلى صيارفة السياسة.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف