نقاط على الحروف
خطابُ وضْع النقاط على الحروف
علي عبادي
تضمَّن خطاب الأمين العام لحزب الله ليل أمس مقاربة وسطية للوضع الداخلي المأزوم من شأنها ان تدفع باتجاه البحث عن حلول للأزمة التي قاربت حد الاستعصاء.
تكمن أهمية الخطاب في أنه يتوجه الى فريقين متعارضين:
الأول جلُّه من المؤيدين او الحلفاء يريد من حزب الله ان يحسم الوضع بضربة واحدة، فأوضح السيد نصر الله له بجلاء وواقعية سياسية أن ما من عصا سحرية لديه لمعالجة الوضع المهترئ اقتصادياً والمتشظي سياسياً، وأن الكل مطالَب بالمساهمة في سلوك طريق الحل بنيّة صافية وحسّ مسؤول، وإلا غرق المركب بالجميع. وهذا لا يشكل عجزاً، بل هو توصيف موضوعي لمتطلبات النهوض من الأزمة. وفي حال تعذَّر توفُّر إرادة وطنية جامعة، فقد يضطر الحزب ومن معه لسلوك طريقهم الخاص طلباً للنجاة، وهذا له وقته وظروفه التي تقرره، وألمح السيد الى ذلك من دون تفصيل.
والفريق الثاني، وجلّه من الخصوم او من "المحايدين"، يتوقع من الحزب ان يضغط على حلفائه، وتحديداً على رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، لتقديم تنازلات من شأنها ان تسهم في تشكيل الحكومة. ونعرف ان القضية لا تتوقف عند الرئيس او التيار وحده، فالطرف المقابل يريد الحكومة خالصة له بعنوان "اختصاصية" و"غير حزبية"، مستفيداً من تأزم الوضع المعيشي وازدياد غضب الشارع، في وقت يُتوقع ان تضطلع الحكومة المقبلة بمهام جسيمة تتطلب توافقاً وطنياً بل وحساً سياسياً عالياً قد لا يتوفر لأصحاب الاختصاص الذين ينقادون تلقائياً لرئيس الفريق الحكومي وقد لا يتدبرون العواقب الاجتماعية أو السياسية الداخلية البعيدة المدى او التبعات السياسية الخارجية لبعض القرارات الكبيرة.
وبين هذا وذاك، ثمة فريق متشدد، وجلّه من بقايا ١٤ آذار والمرتبطين عضوياً بالسياسة الأميركية وبعض دول الخليج، لا همّ له سوى نقض كل ما يقوله السيد نصر الله ورفض كل ما يدلي به، من منطلق رفض دور حزب الله جملة وتفصيلاً. وهذا الفريق الذي يبحث عن أي ثغرة في الخطاب لتبرير سلبيته واحتقانه يتجاهل المقاربة الوسطية ويتهرب من ملاقاة الحزب في منتصف الطريق. ولاحظنا ان بعض وجوه هذا الفريق انطلق معلقاً على الخطاب حتى قبل انتهائه. ولذلك، فإن السيد نصر الله لا يتوجه إليه لإدراكه ان ما من سبيل لإرضائه.
ينطلق حزب الله في مقاربة الأزمة من حيثيتين: الأولى تعدد وجوهها، فنحن لا نتحدث عن أزمة سياسية ظرفية او أزمة اقتصادية عابرة، بل عن أزمة مفصلية تهدد الكيان اللبناني بالاندثار، ليس أقل ملامحها ما نعايشه من خراب اقتصادي مالي مصرفي نقدي موصوف واضطراب اجتماعي وعجز سياسي. وهذا الوضع لا قدرة لأي فريق على مجابهته وحده، واي تعطيل من اي فريق سيُبقي الأمور معلقة عند حد معين. ورأيْنا ما حلّ بالحكومات المتتالية من تعطّل واستقالات ومراوحة بسبب التمزق السياسي.
الحيثية الثانية، أن لبنان لا يُحكم من فريق واحد، والمرحلة الراهنة تتطلب تكوين قاعدة توافق واسعة تتجاوز التمحورات الحزبية من أجل وضع البلد على خط النجاة.
من يعرف عقلية حزب الله يدرك انه لا يرغب في ارتداء قميص الأزمة الوسخ وتحمّل أوزار من أوصلوا البلد إلى هذا المستنقع، كما انه يجتنب سلوك اي خيار غير محسوب قد يرتدّ على البلد مزيداً من التأزم. وهذه نقطة ينبغي وضعها في البال لتفادي شطط الأذهان إلى تكبير قدرة اي طرف، والحزب طرف من الأطراف، على حل الأزمة بكبسة زر على طريقة الحل العسكري الحاسم. فالميدان السياسي الاقتصادي مختلف نوعياً، ولكل أزمة أدواتها، ولكل شيء أوان.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024