نقاط على الحروف
المنظمات النسوية في لبنان: قضايا أم trends؟
مريم كرنيب
لا يُخفى على أحد أن هناك حاجة فعلية للعمل من أجل إقرار قوانين وبرامج تسعى لرفع بعض الظلم الواقع على المرأة في لبنان وفي كثير من مجتمعاتنا العربية، وإزالة الالتباس الحاصل، حول الظلم الواقع عليها، وهو ليس جراء الاحتكام إلى الشرع والدين، بقدر ما هو مرتبط بتحكيم العادات والتقاليد والتي تطغى أحيانًا على تطبيق الشرع في كثير من الحالات.
الا أنّ بعض الحملات الدعائية والتي تُتحفنا بها بعض المنظمات النسوية في لبنان تثير المخاوف والتساؤلات أكثر مما تثير الأمل بالسعي لرفع الظلم عنها.
حيث يلاحظ منذ فترة ورغم سوء الوضع الاقتصادي بشكل كبير، أنّ هناك حملة إعلامية إعلانية كبيرة ومدفوعة الثمن ومكلفة على "البانويات" في الطرقات في مناطق مختلفة ظاهرها "لتوعية المرأة على حقوقها". لكن عن أي حقوق يتحدثون؟ عما يسمى بـ"الزواج المبكر"؟ وما أوحته هذا الحملة ومثيلاتها من التباس الأهداف والعناوين والمقاربات دون الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف الثقافي المحلي وتفاوت إشكالية العمر المبكر من فئة الى أخرى؟ ولماذا حصرت قضايا وحقوق المرأة في مواضيع كأنها تهدد الحياة الأسرية وتخوف من الزواج أكثر منها كتوعية حقيقية للشروط المناسبة لحياة أسرية أفضل؟ ولو كانت هذه الحملات بريئة وإيجابية لكانت ركزت على كيف يكون الاختيار ناجحًا للزواج وما هي المقدمات الثقافية والسلوكية ليكون الزواج ناجحًا وما هي الشريحة التي لا ينصح بالزواج منها قبل أن تُخَوَّفَ الفتاة من الزواج وتملأ عقلها وقلبها قلقا وخشية.
من جهة ثانية فإن حملات إعلامية إعلانية باهظة التكلفة في زمن القحط الاقتصادي هذا، تثير سؤالا أساسيا وجوهريا، من المموّل؟ وعلى أي أساس يدفع التمويل؟ ومن يختار قضايا هذه الحملات؟ وهل تعمل المنظمات النسائية وفق جدول حقيقي لقضايا محقة وفعلية في المجتمع اللبناني أم هو Trend لشركات تجارية تظهر أو تختفي فجأة حسب التمويل؟
بشكل عام تنقسم المنظمات غير الحكومية التي تعنى بقضايا المرأة في لبنان إلى ثلاثة أنواع: المنظمات التي تعنى بحقوق المرأة بشكل عام، والمنظمات التي تعنى بقضية من قضايا حقوق المرأة، مثل العنف ضد المرأة أو تنظيم الأسرة، وأخيراً المنظمات النسائية ذات المنحى الثقافي.
ويبلغ عدد المنظمات غير الحكومية المهتمة بموضوع حقوق المرأة والجندرة والمساواة بين الجنسين والعنف ضد المرأة وحق الحضانة نحو ٤٠ منظمة على الأقل، وفق تقرير نشره مركز دعم لبنان Support Lebanon وهو أحد المراكز المتخصصة بدراسات المجتمع المدني وهو مموّل دوليًا، وذلك تحت عنوان "لمحة عامة عن الأطراف الفاعلة في مجال الجندر وتدخلاتها في لبنان".
ومن بين ٣٦ منظمة نسوية تجاوبت مع المسح يتبيّن أنّ ٢٧ منها تركز بشكل أساسي على مسألة حقوق المرأة، تليها ١٣ منظمة تركز على مسألة المساواة بين الجنسين، ٥ منظمات على الزواج المبكر و ٤ منظمات على مسألة المثليين والمثليات والمتحولين.
وجدير بالذكر هو توثيق التقرير إدارة منظمة واحدة لمشاريع تحظى بتمويل من ١٥ جهة مانحة مختلفة!
ورغم حرص كثير من المنظمات غير الحكومية على عدم ذكر مصادر تمويلها الأساسية، متسترة بالقانون اللبناني، لأنه لا يلزم المنظمات الأهلية بالإعلان عن مصادرها المالية وقيمتها، إلا أن هناك بعض المنظمات التي تعلن عن البرامج التي تدعمها، وعن الأرقام التي تدفع لمنظمات المجتمع المدني من أجل تطبيق هذه البرامج. كما تبين حسب المسح الذي أجرى تحليلًا لهيكليات تمويل المنظمات النسوية في لبنان، أن هذه الأخيرة تعتمد الى حد كبير على التمويل الدولي، فقد أعلنت ٢٩ منظمة أنها تحظى بتمويل جزئي أو كلي من الخارج، في حين أن منظمات أخرى تعتمد على رسوم الخدمات والعضوية، كما على أموالها الخاصة لتموّل، بشكل كلي أو جزئي أنشطتها.( يجدر لفت الانتباه الى أن هذا التقرير قد صدر قبل الأزمة الاقتصادية).
وتتنوع هذه الجهات المانحة التي تتعاطى الشأن الاجتماعي في لبنان: منظمات الأمم المتحدة على اختلافها: اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة "يونيفم"(UNIFEM) وبين منظمات أهلية غربية يمول بعضها من قبل بعض الأحزاب السياسية، مثل "مؤسسة فريديريش ناومان"، و"مؤسسة فريديريش أيبرت" الألمانيتين.
أما الدول الأجنبية فإن دعمها للمنظمات غير الحكومية في لبنان كبير، وأبرز هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية عبر وكالاتها الناشطة في لبنان وأهمها: الوكالة الأمريكية للتنمية (USAID)، والصندوق الوطني للديمقراطية (NED)، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي، والسفارة البريطانية، والسفارة الأسترالية.
وتثار الإشكالية الكبرى: الى أي مدى تساهم توجهات "التمويل" في تحديد ملامح تصميم المشاريع والحملات على المستوى المحلي؟
يمكن لنا أن نستخلص من النقاشات التي دارت مع المنظمات النسوية في إطار التحضير للتقرير السابق ذكره وحسبما عبر عنه المشاركون بصراحة الى نتيجتين أساسيتين:
النتيجة الأولى: لا شراكات متوازنة بين المنظّمات غير الحكومية والجهات المانحة، إذ إن وكالات التمويل قلما تُشرك شركاءها المحليين في بلورة السياسات.
النتيجة الثانية: تتعلق بتغليب المشاريع القصيرة الأمد على الاستراتيجيات الطويلة الأمد، وما ينتج عنها من عدم استقرار "تساهم في تغذية ثقافة المنافسة التي تنظر الى المنظمات على انها "شركات". حتى أن مدير إحدى المنظّمات رأى أن "نموذج الإدارة الحاليّة للمنظّمات أشبه بنموذج إدارة الأعمال التجارية: أي البحث أولًا عن مصادر تمويل ثم العمل على تنفيذ المشروع".
ويعبر مدير آخر "بطريقة ملطفة" عن التالي: في "المجتمع المدني" الحالي لا قضايا، إنما trends تظهر فجأة وتختفي فجأة بحسب التمويل المتوفر، والزواج المبكر احداها (ما يسمونه بزواج القاصرات)، و"الممولون هم الذين يفرضون أجنداتهم على المنظّمات وليس نحن من نستطيع أن نضع أجندتنا، من لديه القدرة اليوم على وضع أجندته؟".
وبناء على كل ما تقدم أليس من حقنا كلبنانيين أن نرفض أو نشكك بكل حملة أو قضية تُسقَط من الخارج وتكون غريبة عن ثقافة وحيثيات مجتمعنا، وتحمل الخطورة على قيمنا وخاصة تلك الأسرية المستهدفة ما تحمله؟
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024