ابناؤك الاشداء

نقاط على الحروف

22/02/2021

"إسرائيل" الكيان الأضعف: حتى "فشة الخلق" محظورة

ايهاب زكي

سؤالٌ يتكرر على كل الفضائيات ويردده كل المحاورين على ضيوفهم، ولا أعرف منطلقات السؤال أو ماذا يدور في أذهان المذيعين حين طرحه، كما لا أعرف وقعه على الضيوف وأين يصل خيالهم حين سماعه، والسؤال هو هل تلجأ "إسرائيل" لخيارات عسكرية ضد إيران في مواجهة عودة إدارة بايدن للاتفاق النووي؟ فهل طرح السؤال مسألة مهنية أو موضوعية إعلامياً؟ أم هو سؤال لاستهلاك الوقت وملء الهواء؟ والحقيقة حين أسمع هذا السؤال تصيبني الدهشة في كل مرة، فهو سؤالٌ مذهل من كل الجوانب، وسيظل قادراً على صناعة الدهشة. وهو يشبه السؤال عن نملة سليمان إن كانت ذكرًا أو أنثى، حيث ألدّ أعداء إيران بمن فيهم "إسرائيل"، يدركون أنّ هذا الخيار مستحيل الطرح، ويستحيل حتى على الخيال "الإسرائيلي" بلوغه، والخيار العسكري يختلف جذرياً عن الاستهدافات الأمنية أو السيبرانية وغيرها، وعلى افتراض توفر شجاعة "إسرائيلية"، فإنّها لن تصل حد التفكير بالخيار العسكري، حتى دول التطبيع محدودة الذكاء معسرة الفكر، تدرك هذه الاستحالة، لكنها تظنّ وهذا كل الإثم، أنّ اتخاذ كيان العدو لهذا الخيار سيدفع الولايات المتحدة للتدخل ومشاركة الحرب.

فـ"إسرائيل" التي انتقل بها حزب الله قهراً من ميزان الردع إلى ميزان الرعب، وأوصلها مرحلة الحرمان حتى من "فشة الخلق"، وهو حزبٌ لبناني لا تُقاس قدرته بقدرات إيران الدولة، لا تؤهلها قدراتها المتآكلة للإقدام على خيارات انتحارية. وبمناسبة الخيارات الانتحارية، فهذه الحالة الوحيدة التي ستقدم بها "إسرائيل" على خيار عسكري، حيث تقرر حكومة العدو أنّ الكيان وصل أرذل العمر، ولم يعد البقاء على قيد الحياة ممكنا، فتقرر الانتحار افتراساً باستفزاز الأسد، فهذا العدو الذي كان يقتل لمجرد التلذذ ويدمر لمجرد التشفي، أصبح عاجزاً عن كل شيء، فحين عجز عن خوض الحروب، هرب إلى ما سمّاه "معركة ما بين الحروب"، وحين فشلت معارك ما بين الحروب اخترع ما سمّاه "الأيام القتالية"، وقد سميتها "فشة الخلق"، حيث العجز المطلق عن الردع، فيصبح البديل هو تكسير الآنية المتوفرة للتنفيس عن قهر العجز، ولكن حتى "فشة الخلق" هذه استكثرها السيد نصر الله على بيت العنكبوت.

 ففي خطابه الأخير في يوم القادة الشهداء، قال السيد نصر الله "لا أحد يضمن ألّا تتحوّل الأيام القتالية إلى حربٍ كبيرة"، ثم أردف أو "حربٍ شاملة"، والحرب الكبيرة كما أفهمها تعني مواجهة بين الحزب و"إسرائيل"، أمّا الحرب الشاملة فهي مواجهة بين محور المقاومة مجتمعاً و"إسرائيل" ومن سيساندها إقليمياً أو حتى دولياً، والحرب الكبيرة في النخاع "الإسرائيلي" ترسخ التخوّف من نتائجها المدمرة، والتيقن من عدم جاهزية "الجيش" لخوضها، وحتمية المعرفة بهشاشة ما يسمى بـ"الجبهة الداخلية" لمواجهة أوارها، فكيف إذا كانت الحرب الشاملة، التي ستتحول فيها كل الجبهات إلى مداخلٍ للنار والموت، وتنهمر السماء حمماً وتتفجر الأرض؟ هذا الرعب الذي تعمد السيد نصر الله من خلاله الضغط على العصب "الإسرائيلي" المكشوف، فتدرك مدى الألم، سيجعلها كلما فكرت بـ"فشة خلق" أن تسترجع ألم الضغط على العصب، فتحجِّم حماقاتها بالتصبر، وتلف أعصابها المنكشفة بشاش الثرثرة، ثم وبعد كل هذه الهشاشة المفرطة، الهشاشة الواضحة للعيان، يخرج مذيع على الشاشة بكل جدية، ويضع عينه في عين ضيفه كأنّه سيلقي عليه قولاً ثقيلا، ويسأله بكل وقار، هل تلجأ "إسرائيل" للخيار العسكري ضد إيران، في مواجهة عودة إدارة بايدن للاتفاق النووي؟"، إنّه سؤالٌ مدهشٌ حقاً.

 إنّ الثقة الكبرى التي تحدث بها السيد نصر الله في خطابه، رغم أنّه أعلن أمراً جللاً، حيث الانتقال من الاستراتيجية الدفاعية إلى الاستراتيجية الهجومية، تنمّ عن اختزان محور المقاومة لقوةٍ هائلة، تجعله صاحب اليد العليا في الإقليم، وتضع الآخرين في خانة الخيارات المحدودة في كل الساحات، وما تقوله"إسرائيل" عن وضع خيارات صعبة على الطاولة، في حال العودة الأمريكية للاتفاق النووي، تشبه إيناس السائر في الظلمة لنفسه بالغناء بصوتٍ عالٍ، فهي لا تملك سوى خيارين أحلاهما مرّ، فإمّا الانتظار وإمّا الانتحار، وهي ستفضل الانتظار بكل الأحوال، فقد تحدث معجزة تعيد عقارب الساعة ثلاثة عقودٍ للخلف، فحين تنعدم الخيارات وتُغلق كل الأبواب، يتجه العقل مباشرةً لانتظار معجزة، فلم يعد أمام هذا الكيان البائس سوى ذلك، ومهما أوتيت الولايات المتحدة من عمليات الشدّ والشفط، ومهما أوتيت دويلات التطبيع من مساحيق تجميل، فلا شيء يستطيع إخفاء الشيخوخة التي وصل إليها الكيان، لأنّها تسكن العظام وتستوطن الروح.  

 

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف