نقاط على الحروف
القادة الشهداء.. مقاومة تحمي ناسها بأشفار العيون
ليلى عماشا
في إحدى حلقات سلسلة "أسرار التحرير الثاني"، ومن خلال الطلقات وغبار السواتر، كان صوت أحد القادة الميدانيين متوجّهًا إلى رجال الله واضحًا: "انتبهوا تقبروني".. هطول عاطفيّ هائل غمرنا جميعًا من خلف الشّاشات.. هذا الفيض، هو انعكاس ميدانيّ من روح الشهداء القادة.. والدفء الدّامع الذي لفّنا أمام المشهد، كان قطرة من دفئهم..
من هنا نبدأ.. هذه العاطفة بالذات التي فيها الأبوّة وفيها القيمة الإنسانية العالية وفيها الفداء وفيها الإيثار هي الأرض التي في ترابها نبتت مآثر القادة.. القادة الشهداء. وهذه العاطفة هي التي جعلت صلتهم بالنّاس، بكلّ الناس ولا سيّما المستضعفين، صلة لم يحجبها الغياب ولم يقطعها ارتحالهم إلى السّماء. لم يصبحوا ذاكرة، بل بقوا حيث سكبوا عاطفتهم، مع الناس، في القلوب كما في المسار المقاوم.. ولذلك من البديهي أن تكون المقاومة للنّاس بأشفار العيون، وبالدم الشهيد.
يُحكى عن الشيخ راغب حرب لهفته على الأيتام، سعيه المتواصل لتعزيز حياة الناس في القرى، وإن كان قد عُرف عنه أنه جعل القسم الأكبر من بيته دارًا لإيواء الأطفال الذين أيتمتهم الحرب، وأنّه بذل كلّ ما استطاع لتشييد مدرسة بمواصفات مقبولة، وأنّ شهامته في غوث المظلومين والفقراء وصلت حدّ قراره بوهب الخزانتين اللتين في بيته لمحتاج، فإن في السرّ له مآثر لن يعرفها أحد.. الشيخ راغب، ذو البأس الشديد الشديد في تحدّي الظالمين بسلاح الموقف، وبكلّ سلاح، كان الأب العطوف والجار المحبّ والقريب الحنون والساعي إلى نشر الوعي والقِيم حيثما تحطّ عيناه.. وكلّ هذا، ما يُحكى وما ليس يقال، مرسوم في عينيه، في ملامحه الفيّاضة بالعطف وبالقوّة..
أما عبارة "سنخدمكم بأشفار عيوننا"، التي ما زالت تحلّ بلسمًا على كلّ من أنهكه ظلم فلا تُقرأ إلا بصوت السيد عباس الهدار على المنبر وفي عمق الجبهة.. تُقرأ في انعكاسات حضوره في قلوب وعيون شعب "استيقظ من شفتيه الناطقتين"، وأرواح ثارت دمعًا وغضبًا في يوم استشهاده وصنعت النّصر تلو النّصر.. فكان السيّد الموسويّ القائد الذي قال "لولا الشهداء لما تحصّن هذا البلد"، هو الحصن الذي بحياته وبشهادته بنى حصنًا من حجارة النصر العظيم، وكتب لزوال اسرائيل مسارًا من يقين وفداء.
ولذلك، يوم عاد إلى النبي شيت في البقاع شهيدًا، غمره الناس بأشفار عيونهم.. استقبلوا نعشه على وقع صيحات الحبّ والغضب تمامًا كما زرع في القلوب الصادقة في كلّ خطوة قام بها وفي كلّ كلمة قالها وفي كلّ بسمة حوّلها إلى طلقات في الجبهة، هناك حيث كان يتقدّم بلباسه العسكري، وبروحه الفدائية..
أما عماد المقاومة وروحها الحاج رضوان، فلا سبيل لترجمة عاطفته التي صارت حكاية يتداول ما تيسّر منها كلّ من رآه وعرفه.. حكاية تزداد كثافة وحضورًا كلّما أزيح طرف من ستار السرّ عن قطرة من مشهد كان فيه.. فالعماد، الخفيّ كسرّ مقاتل، بنى في قلبه بيوتًا لكلّ المستضعفين، لكلّ الفقراء، لكلّ العاشقين ولكلّ المتعبين.. لذلك، حضوره في حكايات الناس لا يأتي إلّا مصحوبًا بالدّمع وبغصّات تتوعدّ بالثأر. ولذلك طيفه الحاضر أبدًا في عبق السواتر وخلف حدود المعارك يلازم كلّ عاشق من جيش الرضوان، الحامل روحه درعًا وسلاحًا ويقين.
هؤلاء القادة، الذين يقينهم زوال "اسرائيل" من الوجود، وتكليفهم رفع ما أمكنهم من الظلم عن كتف المستضعفين في الأرض، كان الحبّ هو سلاحهم النوعيّ في الجبهات، وهو الحبر الذي به يرسمون خرائط القتال، وهو الصراط في علاقتهم مع الناس.وبهذا الحب استطاعوا أن يمضوا إلى أعلى الدرب، وأن يعدّوا العالم كلّه إلى غده الخالي من الظلم، أي الخالي من المستكبر، ولهذا، لهذا كلّه، كانت وتبقى الوصية الأساس المقاومة والناس.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024