نقاط على الحروف
حملاتهم سراب.. وما يَكيدونه يُحيط بهم
سعد حمية
الحملة المسعورة الأخيرة على حزب الله وجمهوره ليست جديدة وهي ليست مستغربة لأنها استكمال لحملات سابقة لم تتوقف يومًا، كان هدفها الأساسي وما زال شيطنة حزب الله وتظهيره إرهابيًّا على كافة المستويات محليًا وإقليميًا ودوليًا ونفي صفة المقاومة عنه وإظهاره "دويلة" تقضم "الدولة" وتحمي الفساد والمُفسدين.
وتحقيقًا للأهداف المذكورة أعلاه تنخرط ماكينة إعلامية ضخمة على امتداد العالم لإحصاء أنفاس حزب الله وتتبع كل مناسبة أو حدث يمكن الاستفادة منه لتأليب الرأي العام ضده وشحذ الهمم التي قد يعتبرها مشغلها أنها خاملة أو قاصرة عن تحقيق أهدافه.
ومن الواضح أن وقود الحملة الأخيرة محليًا، كان حدث اغتيال الناشط لقمان سليم في توقيت اجتمعت فيه مجموعة أزمات سياسية واقتصادية وصحية. وهذا التطور الأمني أُراد من يقف وراءه إطلاق ديناميات لخلط الأوراق في الساحة اللبنانية عامة وفي بيئة حزب الله التي أحبطت وأفشلت محاولات تحطيمها طوال السنوات الماضية ولم تنفك عن الاندكاك في مسيرة تأييد واحتضان الحزب، خاصة.
وليس خافيًا، أن من يقف وراء الاغتيال، اختار هوية المُستهدف بعناية للاستفادة من اقامته وانتمائه المذهبي ومكان استهدافه في العدوسية ليستهدف أولا حزب الله قبل غيره، وثانيًا حاضنته لإثارة الشكوك فيما بين الطرفين واستدراج إشكاليات حمالة أوجه ربما تمهيدًا لتطور ما قد تكشفه الأيام لاحقًا.
ويبدو واضحًا حجم التوظيف الاستثنائي سياسيًا وإعلاميًا خلال الأيام الماضية، وهذا أمر ليس جديدًا وهو يتشابه كثيرًا مع أحداث سابقة واكبتها حملات التشويه والشيطنة للحزب وجمهوره ضمن سيناريو واحد باتت معالمه واضحة وبعضها يرتبط بالساحة اللبنانية عامة والبعض الآخر ببيئة حزب الله:
1ـ بدأ التوظيف مع لحظة إعلان اختفاء المستهدف ليظهر مباشرة في الصورة حزب الله كون المُختفي من أشد المعارضين للحزب، ليعلن لاحقًا عن العثور عليه مقتولًا فيكون الاتهام حاضرا. وهذا ما حصل عند اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالتركيز على معارضة حزب الله له سياسيًا ووضعه في رأس لائحة المتهمين.
2 ـ تسارع حجم الإدانات المحلية والدولية واعتبار الاغتيال الأخير حلقة ضمن سلسلة الاغتيالات السابقة لتوجيه أصابع الاتهام للحزب والتذكير أيضًا باغتيالات الثمانينيات لتكريس وتأصيل الاتهام ليعود زمنيًا إلى مرحلة الولادة، وهذا الأسلوب اعتمد تقريبًا مع كل اغتيال!
3ـ المعزوفة التضليلية بأن حزب الله يعلم كل شي أمنيًا ولذلك يتحمل المسؤولية! فالعدوسية ومنطقتها ضمن نفوذ الحزب وكاميراته وأجهزته الليلية تراقب التحركات المعادية (وليس كل التحركات) لذلك عليه "التعاون والادلاء بمعلوماته او اتهامه" فضلاً عن تسخيف فكرة المقاومة ونفعها إذا لم تتمكن أجهزة المقاومة من رصد التحرك المشبوه في العدوسية!
وهذه الفكرة تكررت سابقًا مع اغتيال الحريري، إذ قيل في حينه إن شاحنة تحمل نصف طن من المواد المتفجرة كيف لم يعلم بها حزب الله أو يرصدها قبل أن يتوجه الاتهام اليه مباشرة! وفي انفجار نيترات الامونيوم في مرفأ بيروت، قيل أيضًا إن حزب الله يسيطر على المرفأ ويعلم بكل شيء فيه وبالتالي يعلم بوجود نيترات الأمونيوم، ولا أحد غيره يعلم كيفية الاستفادة منها، كما اثاروا أسئلة عن نقص هذه المادة ومن يستفيد منها!!
4 ـ التشكيك بالقضاء اللبناني وإبداء عدم الثقة بالتحقيقات المحلية والمسارعة إلى طلب تحقيقات دولية وهذا ما حصل في الاغتيال الأخير، ومع اغتيال الحريري وفي انفجار مرفأ بيروت أيضاً!
5ـ اتهام حزب الله بالقمع والتضييق على "معارضيه من المعتدلين" في بيئته وتسليط الضوء على بعض الحوادث ذات الطابع الشخصي والايحاء بأنها منظمة ومدروسة ضمن مخطط التضييق المزعوم وهذا الاسلوب معتمد في كل الاوقات والمناسبات.
6ـ تظهير معارضي حزب الله من لونه المذهبي بأنهم معتدلون ومنفتحون ونخبة مثقفة متنورة تعاني من ظلامية الحزب الذي يكره ثقافة الحياة ويعشق الموت ما يعني انتقادًا مموهًا لعقيدة الحزب الإسلامية وحاضنته!
7ـ اتهام حزب الله بالتخوين الجمعي والتركيز على اطلاق مناصريه مصطلحات وتوصيفات على المبغضين بأنهم من "اتباع السفارة" أو أنهم "عملاء لاسرائيل" في وقت يقر فيه هؤلاء صراحة في تسجيلات مصورة ومواقف مكتوبة بأنهم يحصلون على تمويل لابحاثهم ومشاريعهم من السفارة الفلانية. ومؤخراً، أحد المعارضين أخذته الحماسة لجذب المزيد من المشاهدين على وسائل التواصل الاجتماعي بالاقرار بأنه عميل "اسرائيلي"!
8ـ يدّعي بعض "المعارضين" من بيئة الحزب أن مليون ونصف مليون شيعي هم رهينة خيارات الحزب السياسية، وحتى الآن لم يثبت منذ العام 1992 أي إحصاء أو استبيان حجم هؤلاء المعارضين وعددهم أو حجمهم التمثيلي في الانتخابات البلدية أو النيباية حتى يتحدثوا عن خيارات أخرى مقابل حزب الله.
9 ـ تظهير جمهور الحزب بأنهم رعاع متخلفون بينما أفكار الآخرين واقعية وعقلية وكذلك التأكيد على أنهم يمجدون ويغطون ثقافة القتل للمخالفين حيث لم يعد التعامل مع العدو أو التطبيع لدى هؤلاء خيانة إنما واقعية مقابل خشبية الآخرين.
وفي نهاية الأمر يمكن القول عبر التجربة المَعيشة مع هذه الحملات منذ ولادة الحزب إنها لن تقدم ولن تؤخر ولن ينتج عنها سوى مزيد من غضب لدى الذين يديرونها لأنها لم تؤت سابقًا ولن تؤتي لاحقًا أكلها وسرعان ما سيكتشفون أن ما يكيدونه يحيط بهم وأن حملاتهم ليست سوى سراب.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024