معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

إيران تستبق إدارة بايدن: قنبلةٍ نووية سياسية
11/01/2021

إيران تستبق إدارة بايدن: قنبلةٍ نووية سياسية

ايهاب زكي

كنت أجالس صديقًا جامح الرغبة باندلاع حربٍ كبرى، لأنّه يعتقد أنّها الحلّ الوحيد لكل هذا الانسداد، وأنّها مفتاح المستقبل والذي هو بدوره النهاية الحتمية للحاضر المؤلم. ولكني كنت أخبره أنّ احتمالات هذه الحرب ليست في المنسوب الذي يطمح إليه، ومن ضمن ما قلت له عن انخفاض مستوى الاحتمالات، أنّ الخيارات الأمريكية للعدوان على إيران منحصرة تمامًا في ضربةٍ نووية، فهي غير قادرة على مهاجمة إيران بأيّ سلاحٍ تقليديٍ دون أن تكون هزيمتها هي النتيجة القطعية. ولكن السلاح النووي يجعل من قطعية هزيمتها احتمالًا، كما أنّه في حال تجرؤ الولايات المتحدة على استخدام هذا السلاح، فلن تقتصر الحرب على محدوديتها وإقليميتها. عند هذه النقطة بالذات، بدت على ملامح الصديق الامتعاض نتيجة ما اعتبره تهويلاً للقدرة الإيرانية، في مقابل التقليل من القوة الأمريكية، ولكن ما حدث بعد نصف ساعةٍ تقريبًا، أنّه لفت انتباهي إلى عاجلٍ على شاشة التلفاز، عن رسالةٍ لرئيسة مجلس النواب الأمريكي، قدمت فيها تفصيلاً عن مهاتفةٍ بينها وبين رئيس الأركان، تحثه فيها على عدم الانصياع لرئيسٍ غير متزنٍ ومختل، في حال إصداره أوامر تتعلق بضربةٍ نووية.

وبيلوسي تتربع على عرش المنصب الثالث في النظام الأمريكي بعد الرئيس ونائبه، والحقيقة لا أعرف دوافعها لتعلن عن محاولاتها منع ترامب من توجيه ضربةٍ نووية، فهل كان لديها معلومات حول نيته فعل ذلك؟ أو أنها رسالة للخارج حلفاءً وخصوم، بأنّ إدارة بايدن ستعيد الولايات المتحدة إلى نمطيتها بعد ترامب، أم أنّها تريد التأكيد على أنّه شخصٌ غير مستقرٍ ومختل كما قالت في رسالتها، لاعتباراتٍ داخلية وحزبية فقط.

 بكل الأحوال، يبدو أنّ المساعي "الإسرائيلية" والسعودية لاستغلال ربع الساعة الأخير لولاية ترمب، عبر توجيه ضربة عسكرية لإيران باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة، والتكتل المعادي لترامب الذي نشأ عن اقتحام أنصاره للـ"كابيتول"، أصبح قيدًا لا يستطيع معه اتخاذ أيّ خطواتٍ دراماتيكية، خصوصًا على مستوى السياسة الخارجية، فضلاً عن أسبابٍ تتعلق بشخصية ترامب نفسه وأفكاره وتوجهاته. ولكن هذا لا يعني أنّ الأيام الثمانية المتبقية من ولاية ترامب ستكون بلا هواجس لمفاجآتٍ قد تُفتعل، خصوصًا.

ولكن بما أنّ الراجح هو استلام بايدن لولايته في العشرين من كانون ثان/يناير الجاري، فإنّ الأطراف جميعًا تحاول أن تبني استراتيجياتها على هذا الراجح، وقد يكون الاستثناء الوحيد هو محور المقاومة، الذي يتعامل مع الإدارات الأمريكية دون فكرة الأفضلية، حيث أنّ العداء مستحكم وممتد، فإيران مثلاً التي لا زالت في حالة تأهبٍ قصوى عسكريًا وأمنيًا، ألقت قنبلة نووية سياسية تقنية وقانونية في وجه بايدن، فإعلانها عن رفع نسب التخصيب إلى نسبة 20% وبدء الانتاج، هو تسخيفٌ مطلق لإعلان بايدن نيته العودة للاتفاق النووي دون رع العقوبات أولاً، وأشد تسخيفاً لتبعات عودته الأشبه بالشروط ثانياً، حيث ضمّ أطرافًا إقليمية للاتفاق مع مناقشة برنامج إيران الصاروخي ونفوذها الإقليمي، أمّا تلويحها بقدرتها على رفع نسبة التخصيب إلى 90%، كما بطرد مفتشي وكالة الطاقة الذرية الدولية، يجابه تلكؤ بايدن في رفع العقوبات عمدًا أو بحجة البيروقراطية الأمريكية، خصوصًا إذا أخذ فريق بايدن بعين الاعتبار، أنّ الانتخابات الرئاسية الإيرانية منتصف العام الجاري قد تأتي برئيسٍ محافظ، يجعل من هامش المناورة أكثر ضيقًا، وعليه فإنّ إيران تستعد ميدانيًا لأيّ مفاجأةٍ مفتعلة ويدها على الزناد، وتبني سياسيًا في ذات الوقت رقعة الشطرنج التي سيتحرك فوقها بايدن.

رغم قسوة العقوبات الأمريكية خصوصًا في عهد ترامب وفي ظل جائحة كورونا - حيث أنّها تمثل جريمة حرب - لكن إيران استطاعت التكيّف مع هذه الجريمة، بل واستطاعت تجاوزها بنسبةٍ كبيرة، وهذا يعني أنّها تملك الوقت الكافي لانتظار اكتشاف نوايا بايدن، وليست مضطرة لاتخاذ خطواتٍ تراجعية أو تنازلاتٍ مؤلمة، لذلك فالرؤية الإيرانية واضحة جدًا ومواقفها ثابتة جدًا، فالعودة للاتفاق والتزام كل الأطراف ببنوده ورفع العقوبات، يقابله إعادة إيران لتفعيل التزاماتها بموجبه، وهذه الرؤية والمواقف لا هوامش فيها، فلا أطرافٌ إقليمية تُضاف ولا تفاوض مطلقًا حول البرنامج الدفاعي أو النفوذ الإقليمي، وهذا بطبيعة الحال ليس مرضيًا لـ"إسرائيل" وأشقائها الإقليميين القدامى الجدد، وهذا سيجعل بايدن بين خيارين، أن يكون صهيوني "لايت" أو صهيوني أكثر من الصهاينة كما يعلن، فإذا اختار أن يكون صهيوني"لايت" سيرضخ لصهيونية نتن ياهو ويبدأ بالتلكؤ في رفع العقوبات، بكل ما يترتب على ذلك من انسدادٍ وتوتر قد يؤدي لانفجارٍ تكون"إسرائيل" أكبر ضحاياه، أمّا إذا اختار أن يكون صهيونيًا أكثر من الصهاينة، على قاعدة حماية "إسرائيل" من نفسها، فيعود إلى الاتفاق مع رفعٍ شاملٍ لكل العقوبات قديمها وجديدها في وقتٍ قياسي، وبذلك يكون منح المنطقة متنفسًا جديدًا ومنح "إسرائيل" وقتًا إضافيًا.

      

 

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف