معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

قراءة في خطاب السيد نصرالله: بين الثورة الإسلامية.. والفورات العربية
09/02/2019

قراءة في خطاب السيد نصرالله: بين الثورة الإسلامية.. والفورات العربية

عبير بسام
لا يمكن لخطاب الإحتفال بنصر الثورة الإيرانية في السادس من شباط/ فبراير، الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أن يمر مرور الكرام. فالتفاصيل التي تناولها حول إنجازات الثورة الإسلامية في إيران تجعلنا نمعن التفكر والتأمل فيما يمكن للشعوب أن تنجزه إذا أحسنت اختيار قياداتها ووضعت نصب أعينها مجموعة من المبادئ التي تحدد هويتها كدولة مستقلة وذات سيادة. وإذا ما كان الهدف هو النهوض بالدولة الوطنية فليس هناك من راد للشعوب والقيادات، وإذا كان الإستسهال والتبعية هما أقصى ما تنتهجه الدول فلا يمكن لها أن تستمر في ضمان كرامات شعوبها. والملفت فعلياً في كلام السيد هو الحديث عن دور الثورة بالنهوض بمجتمعها ودولتها وأمتها والحفاظ على مؤسساتها وبنيتها الإقتصادية.

الكلام جاء حول دور الثورة الإيرانية وتضمن مقارنة واضحة وليست مبطنة بما حدث في ثورات ما سمي بالربيع العربي. وإذا تمعنا بما أصاب الدول العربية بسبب "ربيعها"، فإنها تحولت إلى فورات استولت عليها مجموعة من قطاع الطرق والجماعات الإرهابية والتي انطلقت بناء على مبادئ غريبة عن مجتمعاتها وبأموال غربية وتسليح أجنبي. هذه الفورات لا يمكن وضعها في مصافي الثورات. ولا يمكن وضع مطالبها في خانة المطالبة بالحرية والديمقراطية. ولنبدأ من سوريا المثال القريب والواضح.

سوريا كانت ومازالت دولة ذات سيادة وفاعلة كدولة إقليمية في المنطقة. في السنوات التي تلت الإستقلال استطاعت سوريا أن تحقق إنجازات كبيرة على المستوى الإجتماعي والإقتصادي في جميع المجالات. وعلى الرغم من سنين الحرب الثمانية استطاعت الدولة وبسبب البنية التحتية القوية التي أنشأتها على مدى أكثر من أربعين عاماً أن تحافظ على الأقل على سعر ربطة الخبز الغذاء الأساسي، على الرغم من هبوط سعر الليرة السورية إلى عشرة أضعاف عن سعرها في العام 2011 مقابل الدولار خلال أعوام الحرب الشعواء عليها. وكذلك استمرت بدفع رواتب موظفيها على الرغم من الصعوبات التي صادفتها و وقف دوائر الدولة عن العمل في جميع المناطق، التي سيطرت عليها الجماعات الإرهابية.

جاءت الفورة في سوريا باسم الحرية والديمقراطية على الطريقة الأميركية والتي أدت إلى تدمير البنى التحتية من مشاريع مياه وكهرباء واتصالات. وللمرة الأولى خلال هذه السنوات عرفت دمشق العاصمة والأطراف على حد سواء انقطاع التيار الكهربائي والمياه عن البيوت، وهو أمر لم تعرفه سوريا منذ أكثر من ثلاثين عاماً. دمرت الأراضي الزراعية وتراجع الإنتاج فيها. في حين كانت سوريا دولة تصدر المواد الغذائية وخاصة الخضار والفواكه إلى كل من لبنان والأردن والخليج العربي والعراق، وهذا الأخير كان يعتمد بشكل أساسي على الإنتاج الزراعي السوري، منذ أيام الحصار الأميركي عليه بعد حرب الخليج الأولى. سرقت المعامل في أهم مركز صناعي في الشرق الأوسط، ألا وهي مدينة حلب، والتي كانت تنتج معاملها الآلات التي تستخدم في الصناعات الغذائية وفي صناعة مواد البناء والأدوات المنزلية الكهربائية وغيرها من المعدات الصناعية. وفي العام 2009 الكل يعلم بأن الكيان الصهيوني قصف المعمل النووي الذي ابتدأت سوريا ببنائه في مدينة دير الزور. وكانت سوريا تصدر الكهرباء التي تنتجها معامل الكهرباء الهيدروليكية، أي التي تعتمد على طاقة المياه المخزنة خلف السدود، إلى كل من الأردن ولبنان والعراق، واليوم باتت العديد من المناطق تعيش حالة من التقنين الشديد والعتمة بسبب تدمير البنى التحتية لقطاع الكهرباء وسرقة الكابلات حتى من البيوت. بينما الثورة الحقيقية تهدف أولاً للحفاظ على سيادة الدولة كما في إيران، والتي طورت المعامل والصناعات والإنتاج الزراعي ونورت الدولة وطورت البنى التحتية وابتدأت بصناعة أسلحتها التي تعتمد عليها من أجل حماية سيادة الدولة وحريتها.

الثورة المزعومة في سوريا، أغلقت المدارس ونشأ جيل جديد يعاني من الأمية والأمراض، التي قضت عليها الدولة خلال الأربعين عاماً الماضية، في حين كانت نسبة الأمية في العام 2011 في سوريا وبحسب إحصاءات اليونيسيف 0%، وشلل الأطفال 0%، اليوم تعود الدولة من أجل محاربة الأمية بين الجيل الجديد وأنواع جديدة من شلل الأطفال، التي جلبها شذاذ الأفاق معهم وأنواع قديمة من الأمراض، وبات على الدولة القيام بحملات واسعة من التطعيم في الأماكن التي سيطر عليها الإرهابيون وحملات من أجل تفعيل المدارس من جديد ومن أجل تأهيلها بالكادر التعليمي والبنى التحتية. بينما الثورة في إيران قضت على الأمية وعلى الأمراض المستشرية وبنت كادراً طبياً ونعليمياً هاماً. الثورة الإسلامية الإيرانية حافظت على الأمن وعلى بنية الدولة ومؤسساتها، في المقابل، ومنذ الأيام الأولى، شُهر السلاح المنفلت في وجه الأجهزة الأمنية في سوريا، وحرقت أبنية القصور العدلية ـ المحاكم ـ على طول المدن السورية، التي طالها وباء ثورة ربيع الجراد في درعا وإدلب وحلب وحمص وغيرها من المدن السورية.

بالطبع الأمر ليس أفضل حالاً في الدول العربية الأخرى التي اجتازها ربيع الجراد، وقضى على أمنها وبناها التحتية في ليبيا على سبيل المثال. وأما مصر اليوم، فقد ارتفع فيها سعر الجنيه مقابل الدولار ليصبح 20 جنيهاً مقابل دولار أميركي واحد، في حين كان ثمنه 6.5 جنيهاً في العام 2011، وارتفعت فيها أسعار السلع الغذائية ونسبة الفقر؛ ومصر التي تعد من الدول الأولى المنتجة والمصدرة للغاز باتت تستورده اليوم من الكيان الإسرائيلي، والوضع على الجرار في تونس، التي لم تعد تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في تصدير زيت الزيتون، وليبيا الممزقة وغداً في السودان.

لم يحمل أبناء الثورة في إيران السلاح في وجه مؤسساتهم العسكرية والأمنية ولكنهم اعتنقوها وضموها إلى صدورهم، ففي نهاية الأمر، أبناء هذه المؤسسات هم أبناء الشعب، والجيش يرفده في إيران أبناء إيران، كما يرفده في سوريا أبناء سوريا، ولكن ما حدث في سوريا والدول العربية، كان أمراً لا يمكن أن يقبل بمقاييس الثورات في العالم.

فالثورات في العالم تطالب بالعدالة الإجتماعية والتعليم وتحسين الخدمات الصحية والبنى التحتية وتوفير فرص العمل. وبحسب اليونيسيف، كانت نسبة البطالة في سوريا لا تتجاوز 8% وهي تعتبر من أقل النسب العالمية، حيث تعتبر الدراسات أن نسبة البطالة الطبيعية في أية دولة من العالم هي 15%. فأية ثورات هي تلك التي قامت بهدم أمن الدولة وإقتصادها وهجرت أهلها وعقولها وأرادت تسليم شؤونها إلى كيان معتدي وطارئ عليها.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف