معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

أبو مهدي: الشّيبة المخضبة بالعشق‎
28/12/2020

أبو مهدي: الشّيبة المخضبة بالعشق‎

ليلى عماشا

على قدر الحبّ يزيد ثقل الفقد، وعلى قدر أهل الحبّ يأتي الشوق مصحوبًا بالدّمع وبالغصّات، لذلك يصعب على رجال الحشد المقدّس خاصة، وعلى كلّ رجال الحقّ في كلّ ميادين القتال، أن ينطقوا باسم "الشايب" الحبيب بدون غصّة، أو من دون أن يتوارى صوتهم برهة خلف دمعة اشتياق وغضب، أو من دون أن تشرد عيونهم في بريق مالح من غضب يعد بالثأر ويُعدّ له..

تقترب الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائدين المقاومين الأمميين الصديقين الطاهرين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. كاد الفقد يبلغ عامه الأول، وما زال الجرح مشتعلًا كأن للتوّ أصابنا ذاك الخبر العاجل الذي حوّل الفجر إلى فضاء نسبح فيه قلوبًا مفجوعة ونفوسًا غاضبة وعيونًا من خلف الدمع تبحث عمّن ينفي الخبر.

وفي الساعات التي تلت الفجر القاسي ذاك، بدأنا بالتعرّف عن قرب على وجه وسيرة أبي مهدي المهندس، "الشايب" كما يسمّيه بنوه في الحشد المقدّس.. مقاطع مسجّلة وصور كثيرة زادت الجرح نزفًا.. فالعاطفة الهائلة المرئية التي كان يبثّها حوله تأخذ الرائي إلى حقيقة لا لبس فيها، حقيقة تقول إنّ أولي البأس الأممي الذي يحطّمون أنف العدو الأميركي هم أولو حبٍّ لا يمكن أن يُخفى، وتأخذ قلوبنا كلّنا إلى مرارة لونها اليتم ورائحتها الفقد وطعمها صرخة تتردّد في الضلوع وإن مرّت سنة أو سنوات.

أبو مهدي: الشّيبة المخضبة بالعشق‎

أبو مهدي المهندس، حلّ على قلوبنا شهيدًا عزيزًا، حنونًا كأب، لطيفًا كصديق مقرّب، شجاعًا فدائيًا قائدًا، والقادة في محور أهل الحق صنّاع نصر، إمّا شهداء وإمّا منتظرين للشهادة..

فجر الثالث من كانون الثاني/ يناير من العام الماضي لم يغب يومًا عن أذهان أهل المقاومة في كل ساحات المعركة.. ولم يخل يوم من صور القائدين الشهيدين وذكريات تجمعهما، هما اللذان لم يفترقا حد اختلاط أشلائهما الطاهرة في سيارة حوّلها العدو الأميركي إلى جمر أحرق ملايين القلوب.. في كل يوم، نكتشف مشهدًا جديدًا، أو نستعيد صورة لهما حتى بدا أن أرواحنا العاشقة تستحضرهما في كل ساعة عسى تخفّف ولو قطرة من هول الفقد، وتؤكّد على حقيقة أن الشهداء أحياء بيننا..

اتسعت أرض مطار بغداد حيث ارتفع الشهيدان مع رفاقهما وبلغت القدس وصعدة والشام وجبل عامل.. اتسعت حتى كسا عطرها كل القلوب الوالهة الحزينة، والغاضبة الموقنة بالنصر وبالثأر.. واتسع الحقد على العدو الأميركي حتى صار الثأر من الإدارة الأميركية ولا سيّما شيطانها الذليل ترامب دعاء يرافق كل نبضات القلوب.

كلّ ذلك، فيما تتبع بالعين وبالقلب مشهدًا يوثّق قبلة من "الشايب" الحنون على جبين مقاتل، ومقطعًا يسجّل صوته الأبوي ولهجته المذخرّة بعاطفة لا توصف، وصورة تظهره في مقدمّة الأبطال في اشتباك ضد وحوش العصر وأعداء الإنسانية.. تراه باسمًا، هادئًا هدوء الموقنين، صابرًا متحمّسًا كما لو أنّه بعيون قلبه يرى خلف الدماء اجتماع الأمة كلّها منتصرة.. وترى الرجال حوله محدّقين بشيبته البهية، لتدرك أن هؤلاء الأشدّاء الذين لا يرفّ لهم جفن في أرض المعركة، الذين يتلقون الرصاص بالبسمات وبصيحات اليقين الهادر، يتحلقون حول ضحكته أطفالًا في حضن أبيهم، يحدّقون فيه بنظرات مفعمة بالثقة وبالعشق وبالولاء، يلفهم بتواضعه وبحبّه ويلفّون حضوره بينهم بصدورهم دروعًا وقلوبهم وسائد ترجوه أن يستريح قليلًا..

يقترب عمر الفاجعة من اتمام السنة الأولى، وما زالت شيبة "المهندس" تمشي قرب السواتر كتفًا لكتفٍ مع كلّ المجاهدين الأبطال، كما بقي حضور السليمانيّ العزيز متوهجًا في عيون المقاتلين على امتداد جبهات المحور الشريف. وما زال الرصاص يتلو النصر صيحات بصوت القادة الشهداء، ويردّد على اتساع المدى أن حتمًا الموت لأمريكا.

أبو مهدي المهندس#فارس_القدس

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة