معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

عقوبات واغتيالات.. والخطأ الأخير
21/09/2020

عقوبات واغتيالات.. والخطأ الأخير

ايهاب زكي

ليس حدثاً عابراً أن تكون الولايات المتحدة طرفاً معزولاً في الأمم المتحدة، حتى من أقرب بل ألصَق حلفائها. وأحد أهم مسببات هذه العزلة هو الشعبوية الترامبية أولاً وغباء مؤسسته الدبلوماسية ثانياً وإمعيته لرغبات نتن ياهو ثالثاً، وكما قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف "على ترامب تغيير نهجه قبل أن يحوّل وزير خارجيته إلى مصدر سخرية عالمي"، فلا يضاهي رعونة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي عام 2018، إلّا رعونة الإصرار على الذهاب إلى مجلس الأمن لتفعيل آلية "الزناد"عام 2020، فحلفاء الولايات المتحدة المعارضون لتوجهها في مجلس الأمن، يعتمدون المسار القانوني لمعارضتهم، حيث إنّها لم تعد طرفاً في الاتفاق وبالتالي لا يحق لها الاستناد إلى نصوصه، بمعنى أنّها لو بقيت عضواً في الاتفاق لكان موقفها أكثر وجاهةً وأكثر حرجاً لحلفائها.

وهذا يؤكد أنّ السياسية الأمريكية في عهد ترامب فقدت عقلها، وفقدت رؤيتها الاستراتيجية، أمّا حلفاء أمريكا فرغم تمسكهم بالشكل القانوني لتعليل رفضهم السير في الرغبة الأمريكية، إلّا أنّ الأمر يتعدى ذلك إلى ما يمكن تسميته "كوة السد"، فمنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى ومشروع "مارشال" وأوروبا تعيش عموماً خلف السد الأمريكي، وخصوصاً بريطانيا وألمانيا، وفرنسا ما قبل ساركوزي بدرجةٍ أقل، ونادراً ما لاحظ العالم أيّ تباينات في السياسات الأمريكية الأوروبية، وما حدث مؤشر على أنّ الكوة ستزداد اتساعاً.

كما أنّه ليس حدثاً عابراً أن تتزامن تصريحات أمريكية "إسرائيلية" عن اغتيالاتٍ واغتيالاتٍ مضادة، فقد كانت البداية مع تصريحات لترامب قال فيها "إنّه أصدر أوامره باغتيال الرئيس السوري بشار الأسد عام 2017 غير أنّ وزير دفاعه وقتها جيمس ماتيس رفض التنفيذ"، ثم واستناداً إلى تقرير لمجلةٍ أمريكية اتهمت الولايات المتحدة إيران بمحاولة تدبير عملية اغتيال لسفيرتها في جنوب أفريقيا، ثم تلا ذلك تهديد بالاغتيال من قائد الجبهة الشمالية في كيان العدو توجه به للسيد نصر الله، وأخيراً وليس آخراً بالأمس تسريب لاسم المسؤول عن عملية اغتيال الشهيد القائد الحاج عماد مغنية في دمشق عام 2008، وهو نائب رئيس الموساد في حينها المدعو "نعوم إيرز".

فقد يكون الأمر أبعد من مجرد تسجيل نقاط معنوية للجبهة الداخلية "الإسرائيلية"، أو أهداف دعائية لترامب ونتن ياهو لغاياتٍ تطبيعية، فإذا أخذنا بعين الاعتبار الانسداد الحاصل في ملفات الإقليم التي يتخطى مجرد المراوحة، في انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية، حيث الفشل الذريع فيما يسمى "معركة ما بين الحروب"، والرهبة "الإسرائيلية" من مواجهةٍ مفتوحة مع حزب الله رغم الرغبةِ الجامحة بها، وكذلك هو حال الولايات المتحدة مع إيران، كما التصلب المترافق بالثقة والهدوء الذي يبديه حزب الله في الملف الداخلي والحكومي، رغم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها، كذلك الإصرار الإيراني على عدم الذهاب لطاولة التفاوض الأمريكية إلّا بشروطها، ترافق هذا الموقف مع تهديد إيرانيٍ قاسٍ باحتلال القواعد الأمريكية، في حال إقدام الولايات المتحدة على أيّ اعتداء، مضافاً إلى ذلك التمسك السوري بالحقوق الجغرافية والحقوق النفطية والحقوق السيادية كاملةً، كل هذا مضافاً إليه ما يُعرف بسياسة "الصبر الاستراتيجي" ومرحلة الدفاع التي يتبناها محور المقاومة، والذي قد يتحول إلى عامل إغراء للبلطجة الأمريكية.

وأيضاً ليس حدثاً عابراً أن يتطور الخطاب الفتنوي في هذه اللحظة إلى تعميم الاستهداف لطائفةٍ بقضها وقضيضها،  فقد كانت البداية مع افتعال صراعٍ سنيٍ - شيعي، وبعد فشله على إثر وعي محور المقاومة أولاً وعضه على الجرح ثانياً، تحول الأمر إلى المخطط "ب" بافتعال صراعٍ شيعيٍ - شيعي، ولم يكن حظه بالفشل إلّا موازياً لسابقه، والآن وصلنا إلى الخطة "ج"، وهي المجتمع اللبناني بكافة أطيافه طرف، والشيعة هم الطرف الآخر، خصوصاً بعد تجول سامي الجميل في أسواق طرابلس، وتبعه خطاب البطرك الراعي الذي استهدف مكونًا لبنانيًا أصيلًا بشكلٍ مباشر كطائفة، وليس كحزب أو حركة في إطار التباين السياسي، ويتم تقديم هذا الطرف باعتباره المعرقل للتنمية وباعتباره السبب الوحيد لكل الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتراكمة، كما أنّه الطرف الوحيد الذي يرفض الحل السهل، وهو تسليم السلاح وعقد اتفاق سلام مع كيان العدو على غرار الدول العربية.

مما تقدم نستطيع أم نستنتج ما يلي:

- أنّ الحديث المتزامن عن الاغتيالات ما هو إلّا تهديدٌ مبطن لمحور المقاومة بتطوير المعركة بين الحروب إلى حرب اغتيالاتٍ بأيدٍ أمريكية.

- لا يمكن أن يكون التهديد الإيراني باحتلال القواعد الأمريكية كردٍ على أي عدوان أمريكي صدر لمجرد الاستعراض، بل هو تحوطٌ لما قد تُقدم عليه الولايات المتحدة من محاولات اغتيال.

-  تضع الولايات المتحدة مجلس الأمن بين خيارين، إمّا هيمنة أمريكية مطلقة بلا منازع، أو إفراغه من فعاليته وتجريده من صلاحياته، وبالتالي إعادة رسم التوازنات داخله، فهي لا ترى في دول الفيتو أنداداً.

- محاولات محمومة لتحويل الصراع مع "إسرائيل" إلى تناقض صفري بين المكونات الرئيسية للشعب اللبناني.

- الضغط الاقتصادي المفرط على سوريا لإبقاء الوضع القائم في الشمال السوري على حاله بكل ما يحمله من مخاطر على المدى البعيد والمتوسط، من خلال إشغال الدولة السورية بالتفكير في تجاوز آثار العقوبات والأزمات المتلاحقة.

- ترامب ينفذ سياسة نتن ياهو دون التفكير مسبقاً حتى بالمسؤولية الأمريكية عن الكيان.

وعلى سبيل الخاتمة، فإنّ إقدام الولايات المتحدة على أيّ عملية اغتيال لأطرافٍ في محور المقاومة، سيكون بمثابة الخطأ الأخير، كما سيكون دفع الأدوات الأمريكية في لبنان إلى أقصى الاستهداف لمكونٍ لبناني كذلك هو الخطأ الأخير، فإضافة شجع نتن ياهو إلى "الهياج" الانتخابي لترامب، هو خطأ ترامب الأكبر والذي قد يكون الأخير في حياته السياسية.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف